247
ميزان الحکمه المجلد السادس

(فَاتَّقوا النّارَ الّتي وَقودُها النّاسُ والحِجارَةُ)۱ ، وقوله تعالى‏ : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)۲ ، وقوله تعالى‏ : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِن سوءٍ)۳ ، وقوله تعالى‏ : (ما يَأْكُلونَ في بُطونِهِمْ إلّا النّارَ)۴ ، وقوله : (إنَّما يَأْكُلونَ في بُطونِهِم ناراً)۵ ... إلى‏ غير ذلك من الآيات .
ولَعَمري لو لم يكن في كتاب اللَّه تعالى‏ إلّا قوله : (لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَديدٌ)۶ لكان فيه كفاية ؛ إذ الغفلة لا تكون إلّا عن معلوم حاضر ، وكشف الغطاء لا يستقيم إلّا عن مغطّى موجود ، فلو لم يكن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجوداً حاضراً من قبل لَما كان يصحّ أن يقال للإنسان : إنّ هذه اُمور كانت مغفولة لك مستورة عنك ، فهي اليوم مكشوف عنها الغطاء ، مُزالة منها الغفلة .
ولَعَمري إنّك لو سألت نفسك أن تهديك إلى‏ بيانٍ يفي بهذه المعاني حقيقةً من غير مجاز لما أجابتك إلّا بنفس هذه البيانات والأوصاف التي نزل بها القرآن الكريم .
ومحصّل الكلام : أنّ كلامه تعالى‏ موضوع على‏ وجهين :
أحدهما : وجه المُجازاة بالثواب والعقاب ، وعليه عدد جمّ من الآيات ، تفيد أنّ ما سيستقبل الإنسان من خير أو شرّ كجنّة أو نار إنّما هو جزاءٌ لما عمله فِي الدنيا من العمل .
وثانيهما : وجه تجسّم الأعمال ، وعليه عدّة اُخرى‏ من الآيات ، وهي تدلّ على‏ أنّ الأعمال تُهيّئ بأنفسها أو باستلزامها وتأثيرها اُموراً مطلوبة أو غير مطلوبة أي خيراً أو شرّاً هي التي سيطّلع عليه الإنسان يوم يكشف عن ساق . وإيّاك أن تتوهّم أنّ الوجهَين متنافيان ؛ فإنّ الحقائق إنّما تقرّب إلى‏ الأفهام بالأمثال المضروبة ، كما ينصّ على‏ ذلك القرآن .۷

1.البقرة : ۲۴ .

2.العلق : ۱۷ ، ۱۸ .

3.آل عمران : ۳۰ .

4.البقرة : ۱۷۴ .

5.النساء : ۱۰ .

6.ق : ۲۲ .

7.الميزان في تفسير القرآن : ۱/۹۰ - ۹۳ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
246

الظلمات ويختم على‏ قلوبهم ، وعلى‏ سمعهم وعلى‏ أبصارهم غشاوة ، ويطمس وجوههم على‏ أدبارهم ، ويجعل في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ، ويجعل من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فيغشيهم فهم لا يبصرون ، ويُقيّض لهم شياطين قُرَناء يُضلّونهم عن السبيل ويحسبون أ نّهم مهتدون ، ويزيّنون لهم أعمالهم وهم أولياؤهم ، ويستدرجهم اللَّه من حيث لا يشعرون ، ويملي لهم إنّ كيده متين ، ويمكر بهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون .
فهذه نبذة ممّا ذكره سبحانه من حال الفريقين، وظاهرها أنّ للإنسان فِي الدنيا وراء الحياة التي يعيش بها فيها حياةً اُخرى سعيدة أو شقيّة ذات اُصول وأعراق يعيش بها فيها ، وسيطّلع ويقف عليها عند انقطاع الأسباب وارتفاع الحجاب . ويظهر من كلامه تعالى‏ أيضاً أنّ للإنسان حياة اُخرى‏ سابقة على‏ حياته الدنيا ، يحذوها فيها كما يحذو حذو حياته الدنيا فيما يتلوها . وبعبارة اُخرى : إنّ للإنسان حياة قبل هذه الحياة الدنيا وحياة بعدها ، والحياة الثالثة تتبع حكم الثانية والثانية حكم الاُولى‏ ، فالإنسان وهو فِي الدنيا واقع بين حياتَين : سابقة ولاحقة ، فهذا هو الذي يقضي به ظاهر القرآن .
لكنّ الجمهور من المفسّرين حملوا القسم الأوّل من الآيات وهي الواصفة للحياة السابقة على‏ ضرب من لسان الحال واقتضاء الاستعداد ، والقسم الثاني منها وهي الواصفة للحياة اللاحقة على‏ ضروب المجاز والاستعارة ، هذا . إلّا أنّ ظواهر كثير من الآيات يدفع ذلك : أمّا القسم الأوّل وهي آيات الذرّ والميثاق فستأتي في مواردها ، وأمّا القسم الثاني فكثير من الآيات دالّة على‏ أنّ الجزاء يوم الجزاء بنفس الأعمال وعينها، كقوله تعالى‏ : (لا تَعْتَذِروا اليَوْمَ إنَّما تُجْزَونَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلونَ)۱ ، وقوله تعالى‏ : (ثُمَّ تُوَفّى‏ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ ... الآية)۲ ، وقوله تعالى‏ :

1.التحريم : ۷ .

2.البقرة : ۲۸۱ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 230258
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي