(فَاتَّقوا النّارَ الّتي وَقودُها النّاسُ والحِجارَةُ)۱ ، وقوله تعالى : (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)۲ ، وقوله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِن خَيرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِن سوءٍ)۳ ، وقوله تعالى : (ما يَأْكُلونَ في بُطونِهِمْ إلّا النّارَ)۴ ، وقوله : (إنَّما يَأْكُلونَ في بُطونِهِم ناراً)۵ ... إلى غير ذلك من الآيات .
ولَعَمري لو لم يكن في كتاب اللَّه تعالى إلّا قوله : (لَقَدْ كُنْتَ في غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَديدٌ)۶ لكان فيه كفاية ؛ إذ الغفلة لا تكون إلّا عن معلوم حاضر ، وكشف الغطاء لا يستقيم إلّا عن مغطّى موجود ، فلو لم يكن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجوداً حاضراً من قبل لَما كان يصحّ أن يقال للإنسان : إنّ هذه اُمور كانت مغفولة لك مستورة عنك ، فهي اليوم مكشوف عنها الغطاء ، مُزالة منها الغفلة .
ولَعَمري إنّك لو سألت نفسك أن تهديك إلى بيانٍ يفي بهذه المعاني حقيقةً من غير مجاز لما أجابتك إلّا بنفس هذه البيانات والأوصاف التي نزل بها القرآن الكريم .
ومحصّل الكلام : أنّ كلامه تعالى موضوع على وجهين :
أحدهما : وجه المُجازاة بالثواب والعقاب ، وعليه عدد جمّ من الآيات ، تفيد أنّ ما سيستقبل الإنسان من خير أو شرّ كجنّة أو نار إنّما هو جزاءٌ لما عمله فِي الدنيا من العمل .
وثانيهما : وجه تجسّم الأعمال ، وعليه عدّة اُخرى من الآيات ، وهي تدلّ على أنّ الأعمال تُهيّئ بأنفسها أو باستلزامها وتأثيرها اُموراً مطلوبة أو غير مطلوبة أي خيراً أو شرّاً هي التي سيطّلع عليه الإنسان يوم يكشف عن ساق . وإيّاك أن تتوهّم أنّ الوجهَين متنافيان ؛ فإنّ الحقائق إنّما تقرّب إلى الأفهام بالأمثال المضروبة ، كما ينصّ على ذلك القرآن .۷