265
ميزان الحکمه المجلد السادس

والأرض وما بينهما - وهي اُمور مخلوقة مؤجّلة توجد وتفنى‏ - مؤدّياً إلى‏ غاية ثابتة باقية غير مؤجّلة كان باطلاً ، والباطل بمعنى‏ ما لا غاية له ممتنع التحقّق في الأعيان . على‏ أ نّه مستحيل من الحكيم ، ولا ريب في حكمته تعالى‏ .
وربّما اُطلق الباطل واُريد به اللعب ، ولو كان المراد ذلك كانت الآية في معنى‏ قوله : (وَما خَلَقْنا السَّماواتِ وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبينَ * ما خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ) .۱
وقيل : الآية عطف على‏ ما قبلها بحسب المعنى‏ ، كأنّه قيل : ولا تتّبع الهوى‏ لأ نّه يكون سبباً لضلالك ، ولأ نّه تعالى‏ لم يخلق العالَم لأجل اتّباع الهوى‏ وهوالباطل ، بل خلقه للتوحيد ومتابعة الشرع .
وفيه : أنّ الآية التالية : (أمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ كَالمُفسِدينَ في الأرضِ ...)إلخ لا تلائم هذا المعنى‏ .
وقوله تعالى‏ : (ذلكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَروا فَوَيْلٌ لِلَّذينَ كَفَروا مِنَ النّارِ) أي : خلق العالم باطلاً لا غاية له ، وانتفاء يوم الحساب الذي يظهر فيه ما ينتجه حساب الاُمور ، ظنّ الذين كفروا بالمعاد ، فويل لهم من عذاب النار .
قوله تعالى‏ : (أمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدينَ في الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقينَ كَالْفُجّارِ)هذه هي الحجّة الثانية على المعاد ، وتقريرها : أنّ للإنسان كسائر الأنواع كمالاً بالضرورة ، وكمال الإنسان هو خروجه في جانبَي العلم والعمل من القوّة إلى الفعل بأن يعتقد الاعتقادات الحقّة ويعمل الأعمال الصالحة اللتين يهديه إليهما فطرته الصحيحة ، وهما الإيمان بالحقّ والعمل الصالح اللذين بهما يصلح المجتمع الإنسانيّ الذي في الأرض .
فالذين آمنوا وعملوا الصالحات - وهم المتّقون - هم الكاملون من الإنسان ، والمفسدون في الأرض

1.الدخان : ۳۸ ، ۳۹ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
264

فهل تظنّون أ نّما خلقناكم عبثاً : تَحيون وتموتون من غير غاية باقية في خلقكم وأ نّكم إلينا لا ترجعون ؟
وقوله : (فَتَعالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلهَ إلّا هُوَ رَبُّ العَرشِ الكَريمِ)۱ إشارة إلى‏ برهان يُثبت البعث ، ويدفع قولهم بالنفي في صورة التنزيه ؛ فإنّه تعالى‏ وصف نفسه في كلمة التنزيه بالأوصاف الأربعة : أ نّه ملك ، وأ نّه حقّ ، وأ نّه لا إله إلّا هو ، وأ نّه ربّ العرش الكريم . فله أن يحكم بما شاء من بدءٍ وعَودٍ وحياةٍ وموت ورزق ، نافذاً حكمه ماضياً أمره لملكه ، وما يصدر عنه من حكم فإنّه لا يكون إلّا حقّاً ، فإنّه حقّ ولا يصدر عن الحقّ بما هو حقّ إلّا حقّ دون أن يكون عبثاً باطلاً .
ثمّ لمّا أمكن أن يتصوّر أنّ معه مصدر حكم آخر يحكم بما يبطل به حكمه وصفه بأنّه لا إله - أي لا معبود - إلّا هو ، والإله معبود لربوبيّته ، فإذن لا إله غيره فهو ربّ العرش الكريم - عرش العالم - الذي هو مجتمع أزمّة الاُمور ، ومنه يصدر الأحكام والأوامر الجارية فيه .
فتلخّص : أ نّه هو الذي يصدر عنه كلّ حكم ، ويوجد منه كلّ شي‏ء ، ولا يحكم إلّا بحقّ ، ولا يفعل إلّا حقّاً ، فللأشياء رجوع إليه وبقاء به وإلّا لكانت عبثاً باطلة ولا عبث فِي الخلق ولا باطل فِي الصنع .
والدليل على اتّصافه بالأوصاف الأربعة كونه تعالى‏ هو اللَّه الموجود لذاته الموجد لغيره .۲
قوله تعالى‏ : (وَما خَلَقْنا السَّماءَ وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ...) إلى‏ آخر الآية : لمّا انتهى الكلام إلى‏ ذكر يوم الحساب عطف عنان البيان عليه فاحتجّ عليه بحجّتين : إحداهما ما ساقه في هذه الآية بقوله : (وَما خَلَقْنا السَّماءَ ...) إلخ وهو احتجاج من طريق الغايات ؛ إذ لو لم يكن خلق السماء

1.المؤمنون : ۱۱۶ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱۵/۷۲ - ۷۳ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 227336
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي