267
ميزان الحکمه المجلد السادس

فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُنْثَى‏ * ألَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلَى‏ أنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى‏) .۱

(فَلْيَنْظُرِ الْإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ * إنَّهُ عَلَى‏ رَجْعِهِ لَقادِرٌ) .۲

(قُلْ أمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأكُمْ تَعُودُونَ) .۳

(وَيَقُولُ الْإنْسانُ ءَإذَا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيَّاً * أوَلا يَذْكُرُ الْإنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) .۴

الحديث :

۱۴۵۶۰.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : جاءَ اُبَيُّ بنُ خَلَفٍ فَأخَذَ عَظماً بالِياً مِن حائطٍ فَفَتَّهُ ، ثُمَّ قالَ : يا مُحمَّدُ، إذا كُنّا عِظاماً ورُفاتاً أئنّا لَمَبعوثونَ ؟ فأنزَلَ اللَّهُ : (مَن يُحْيي العِظامَ وَهِيَ رَميمٌ * قُلْ يُحْييها الّذي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ وهُوَ بكُلِّ خَلقٍ عَليمٌ) .۵

التّفسير :

قوله تعالى‏ : (ذلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وأ نَّهُ يُحْيي المَوتى‏ وأ نَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ) «ذلك» : إشارة إلى‏ ما ذكر في الآية السابقة من خلق الإنسان والنبات وتدبير أمرهما حدوثاً وبقاءً ، خلقاً وتدبيراً واقعيّين لا ريب فيهما .
والذي يعطيه السياق : أنّ المراد بالحقّ نفس الحقّ ؛ أعني أ نّه ليس وصفاً قائماً مقام موصوف محذوف هو الخبر ، فهو تعالى‏ نفس الحقّ الذي يحقّق كلّ شي‏ءٍ حقّ ، ويجري في‏الأشياء النظام الحقّ ، فكونه تعالى‏ حقّاً يتحقّق به كلّ شي‏ء حقّ هو السبب لهذه الموجودات الحقّة والنظامات الحقّة الجارية فيها ، وهي جميعاً تكشف عن كونه تعالى‏ هو الحقّ .
وقوله : (وأ نَّهُ يُحْيي المَوتى‏) معطوف على‏ ما قبله ؛ أي المذكور في الآية السابقة من صيرورة التراب الميّت بالانتقال من حال إلى‏ حال إنساناً حيّاً ، وكذا صيرورة الأرض الميّتة بنزول الماء نباتاً حيّاً ، واستمرار هذا الأمر بسبب أنّ اللَّه يحيي الموتى‏ ويستمرّ منه ذلك .

1.القيامة : ۳۶ - ۴۰ .

2.الطارق : ۵ - ۸ .

3.الأعراف : ۲۹ .

4.مريم : ۶۶ ، ۶۷ .

5.بحار الأنوار : ۷/۴۲/۱۸ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
266

بفساد اعتقادهم وعملهم - وهم الفجّار - هم الناقصون الخاسرون في إنسانيّتهم حقيقةً ، ومقتضى‏ هذا الكمال والنقص أن يكون بإزاء الكمال حياة سعيدة وعيش طيّب ، وبإزاء خلافه خلاف ذلك .
ومن المعلوم أنّ هذه الحياة الدنيا التي يشتركان فيها هي تحت سيطرة الأسباب والعوامل المادّيّة ، ونسبتها إلى الكامل والناقص والمؤمن والكافر على السواء ، فمن أجاد العمل ووافقته الأسباب المادّيّة فاز بطيب العيش ، ومن كان على‏ خلاف ذلك لزمه الشقاء وضنك المعيشة .
فلو كانت الحياة مقصورة على‏ هذه الحياة الدنيويّة التي نسبتها إلى الفريقَين على السواء ، ولم تكن هناك حياة تختصّ بكلّ منهما وتناسب حاله ، كان ذلك منافياً للعناية الإلهيّة بإيصال كلّ ذي حقّ حقّه وإعطاء المقتضيات ما تقتضيه .
وإن شئت فقل : تسوية بين الفريقين وإلغاء ما يقتضيه صلاح هذا وفساد ذلك خلاف عدله تعالى‏ .
والآية - كما ترى‏ - لا تنفي استواء حال المؤمن والكافر ، وإنّما قرّرت المقابلة بين من آمن وعمل صالحاً وبين من لم يكن كذلك سواء كان غير مؤمن أو مؤمناً غير صالح ؛ ولذا أتت بالمقابلة ثانياً بين المتّقين والفجّار .۱

2924 - الدَّليلُ الثّاني لِإثباتِ المَعادِ

الكتاب :

(يا أَيُّها الناسُ إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ... ذلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأنَّهُ يُحْيي الْمَوْتَى‏ وَأنَّهُ عَلَى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ * وَأنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) .۲

(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) .۳

(أيَحْسَبُ الْإنْسانُ أنْ يُتْرَكَ سُدىً * ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى‏ * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى‏ *

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۷/۱۹۶ و ۱۹۷ .

2.الحجّ : ۵ - ۷ .

3.يس : ۷۸ ، ۷۹ .

عدد المشاهدين : 227306
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي