269
ميزان الحکمه المجلد السادس

خَلَقْناهُما إلّا بِالحَقِّ)1 وقوله :(وَما خَلَقْنا السَّماءَ وَالأرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلكَ ظَنُّ الَّذينَ كَفَروا)2وغيرهما من الآيات المتعرّضة لإثبات المعاد ، وإنّما الفرق أ نّها تثبته من طريق حقّيّة فعله تعالى‏ ، والآية المبحوث عنها تثبته من طريق حقّيّته تعالى‏ في نفسه المستلزمة لحقّيّة فعله.
ثمّ لمّا كان من الممكن أن يتوهّم استحالة إحياء الموتى‏ - فلا ينفع البرهان حينئذ - دفعه بقوله : (وَأ نَّهُ يُحيي المَوتى‏) ، فإحياؤه تعالى الموتى‏ - بجعل التراب الميّت إنساناً حيّاً وجعل الأرض الميّتة نباتاً حيّاً - واقع مستمرّ مشهود، فلا ريب في إمكانه ، وهذه الجملة أيضاً في مجرى‏ قوله تعالى : (قالَ مَن يُحْيي العِظامَ وَهِيَ رَميمٌ * قُلْ يُحْييها الّذي أنْشَأها أوَّلَ مَرَّةٍ)3وسائر الآيات المثبتة لإمكان البعث والإحياء ثانياً من طريق ثبوت مثله أوّلاً .
ثمّ لمّا أمكن أن يتوهّم أنّ جواز الإحياء الثاني لا يستلزم الوقوع بتعلّق القدرة به - استبعاداً له واستصعاباً - دفعه بقوله : (وَأ نَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ قَديرٌ) ؛ فإنّ القدرة لمّا كانت غير متناهية كانت نسبتها إلى الإحياء الأوّل والثاني ، وما كان سهلاً في نفسه أو صعباً على‏ حدّ سواء ، فلا يخالطها عجز ولا يطرأ عليها عيّ وتعب .
وهذه الجملة أيضاً في مجرى‏ قوله تعالى‏ : (أفَعَيينا بِالخَلْقِ الأوَّلِ)4 وقوله : (إنَّ الّذي أحْياها لَمُحْيي المَوتى‏ إنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَديرٌ)5 وسائر الآيات المثبتة للبعث بعموم القدرة وعدم تناهيها .
فهذه - أعني ما في قوله تعالى‏ : (ذلِكَ بِأنَّ اللَّهَ ...) إلى‏ آخر الآية - نتائج ثلاث مستخرجة من الآية السابقة عليها ، مسوقة جميعاً لغرض واحد وهو ذكر ما يثبت به البعث ، وهو الذي تتضمّنه الآية الأخيرة (وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها وَأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبورِ) .6

1.الدخان : ۳۸ ، ۳۹ .

2.ص : ۲۷ .

3.يس : ۷۸، ۷۹ .

4.ق : ۱۵ .

5.فصّلت : ۳۹ .

6.الميزان في تفسير القرآن : ۱۴/۳۴۵ - ۳۴۷ .


ميزان الحکمه المجلد السادس
268

وقوله : (وأ نَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَي‏ءٍ قَديرٌ) معطوف على‏ سابقه كسابقه ، والمراد أنّ ما ذكرناه بسبب أنّ اللَّه على‏ كلّ شي‏ء قدير ؛ وذلك أنّ إيجاد الإنسان والنبات وتدبير أمرهما فِي الحدوث والبقاء مرتبط بما فِي الكون من وجود أو نظام جارٍ فِي الوجود ، وكما أنّ إيجادهما وتدبير أمرهما لا يتمّ إلّا مع القدرة عليهما كذلك القدرة عليهما لا تتمّ إلّا مع القدرة على‏ كلّ شي‏ء ، فخلقهما وتدبير أمرهما بسبب عموم القدرة . وإن شئت فقل : ذلك يكشف عن عموم القدرة .
قوله تعالى‏ : (وَأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فيها وَأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبورِ) الجملتان معطوفتان على‏ «أنّ» في قوله : (ذلِكَ بِأنَّ اللَّهَ) .
وأمّا الوجه في اختصاص هذه النتائج الخمس المذكورة في الآيتين بالذكر ، مع أنّ بيان السابقة ينتج نتائج اُخرى‏ مهمّة في أبواب التوحيد كربوبيّته تعالى‏ ونفي شركاء العبادة وكونه تعالى‏ عليماً ومنعماً وجواداً وغير ذلك . فالذي يعطيه السياق - والمقام مقام إثبات البعث ، وعرض هذه الآيات على‏ سائر الآيات المثبتة للبعث - أنّ الآية تؤمّ إثبات البعث من طريق إثبات كونه تعالى حقّاً على الإطلاق ؛ فإنّ الحقّ المحض لا يصدر عنه إلّا الفعل الحقّ دون الباطل ، ولو لم يكن هناك نشأة اُخرى يعيش فيها الإنسان بماله من سعادة أو شقاء ، واقتصر فِي الخلقة على الإيجاد ثمّ الإعدام ثمّ الإيجاد ثمّ الإعدام وهكذا ، كان لعباً باطلاً ، فكونه تعالى‏ حقّاً لا يفعل إلّا الحقّ يستلزم نشأة البعث استلزاماً بيّناً ، فإنّ هذه الحياة الدنيا تنقطع بالموت، فبعدها حياة اُخرى‏ باقية لامحالة.
فالآية - أعني قوله : (فَإنّا خَلَقْناكُم مِن تُرابٍ - إلى‏ قوله - ذلكَ بأنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ) - في مجرى‏ قوله : (وَما خَلَقْنا السَّماواتِ والأرضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبينَ * ما

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 198681
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي