جزء يسير منها - لا يقدر أن يخلق مثل هؤلاء الناس؟! بلى وإنّه خلّاق عليم.
والمراد بمثلهم قيل : هم وأمثالهم . وفيه : أ نّه مغاير لمعنى «مِثْل» على ما يعرف من اللغة والعرف .
وقيل : المراد بمثلهم هم أنفسهم بنحو الكناية ، على حدّ قولهم : مِثلُكَ غنيّ عن كذا ؛ أي أنت غنيّ عنه . وفيه : أ نّه لو كان كناية لصحّ التصريح به ، لكن لا وجه لقولنا : أوَلَيسَ الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلقهم ، فإنّ الكلام في بعثهم لا في خلقهم ، والمشركون معترفون بأنّ خالقهم هو اللَّه سبحانه .
وقيل : ضمير (مِثلَهم) للسماوات والأرض ، فإنّهما تشملان ما فيهما من العقلاء ، فاُعيد إليهما ضمير العقلاء تغليباً ، فالمراد أنّ اللَّه الخالق للعالم قادر على خلق مِثله . وفيه : أنّ المقام مقام إثبات بعث الإنسان لا بعث السماوات والأرض. على أنّ الكلام في الإعادة وخلق مثل الشيء ليس إعادةً لعينه بل بالضرورة .
فالحقّ أن يقال : إنّ المراد بخلق مثلهم إعادتهم للجزاء بعد الموت ، كمايستفاد من كلام الطبرسيّ رحمة اللَّه عليه في «مجمع البيان» .
بيانه أنّ الإنسان مركّب من نفس وبدن ، والبدن في هذه النشأة في مَعرض التحلّل والتبدّل دائماً ، فهو لا يزال يتغيّر أجزاؤه ، والمركّب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه ، فهو في كلِّ آنٍ غيرُه في الآن السابق بشخصه ، وشخصيّة الإنسان محفوظة بنفسه - روحه - المجرّدة المنزّهة عن المادّة والتغيّرات الطارئة من قبلها المأمونة من الموت والفساد .
والمتحصَّل من كلامه تعالى : أنّ النفس لا تموت بموت البدن ، وأ نّها محفوظة حتّى ترجع إلَى اللَّه سبحانه كما تقدّم استفادته من قوله تعالى : (وَقالوا ءَإذا ضَلَلْنا في الأرضِ ءَإنّا لَفي خَلْقٍ جَديدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِم كافِرونَ * قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوتِ الَّذي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعونَ) .۱