الأفضَلَ بالأدنى ، ولا تَعجَبْ من نفسِكَ ، فَرُبّما اغتَرَرتَ بمالِكَ وصِحَّةِ جِسمِكَ أن لَعَلَّكَ تَبقى .
ورُبّما اغتَرَرتَ بِطُولِ عُمُرِكَ وأولادِكَ وأصحابِكَ لعلَّكَ تَنجُو بِهِم.
ورُبّما اغتَرَرتَ بحالِكَ ومُنيَتِكَ ، وإصابَتِكَ مَأمُولَكَ وهَواكَ ، وظَنَنتَ أنّكَ صادِقٌ ومُصِيبٌ .
ورُبّما اغتَرَرتَ بما تُرِي الخَلقَ مِن النَّدَمِ على تَقصيرِكَ فِي العِبادَةِ ، ولَعَلَّ اللَّهَ تعالى يَعلَمُ مِن قلبِكَ بخِلافِ ذلكَ .
ورُبَّما أقَمتَ نفسَكَ علَى العِبادَةِ مُتَكَلِّفاً واللَّهُ يُريدُ الإخلاصَ .
ورُبّما افتَخَرتَ بعِلمِكَ ونَسَبِكَ ، وأنتَ غافِلٌ عن مُضمَراتِ ما في غَيبِ اللَّهِ.
ورُبّما تَدعُو اللَّهَ وأنتَ تَدعُو سِواهُ .
ورُبّما حَسِبتَ أنّكَ ناصِحٌ لِلخَلقِ وأنتَ تُرِيدُهُم لنفسِكَ أن يَمِيلُوا إلَيكَ .
ورُبّما ذَمَمتَ نفسَكَ ، وأنتَ تَمدَحُها علَى الحَقيقَةِ .
واعلَم أنَّكَ لن تَخرُجَ مِن ظُلُماتِ الغُرورِ والتَمَنِّي إلّا بِصِدقِ الإنابَةِ إلَى اللَّهِ تعالى ، والإخباتِ لَهُ ، ومَعرِفَةِ عُيُوبِ أحوالِكَ مِن حيثُ لا يوافِقُ العَقلَ والعِلمَ ، ولا يَحتَمِلُهُ الدِّينُ والشَّريعَةُ وسَنَنُ القُدوَةِ۱ وأئمّةِ الهُدى ، وإن كُنتَ راضِياً بما أنتَ فيه فما أحَدٌ أشقى بِعلمِهِ مِنكَ وأضيَعَ عُمُراً وأورَثَ حَسرَةً يومَ القِيامَةِ .۲
(انظر) كلام أبي حامد في علاج الغرور: المحجّة البيضاء: 6/348 - 357.