517
ميزان الحکمه المجلد السادس

للّسان فِي المعنى‏ الذي حُرّم التلفّظ به لأجله ، ومن ذلك ما روي عن عائشة أنّها قالت : دخلت علينا امرأة فلمّا ولّت أومأتُ بيدي أي قصيرة ، فقال صلى اللَّه عليه وآله : اغتَبتِيها . ومن ذلك المحاكاة بأن تمشي متعارجاً أو كما يمشي فهو غيبة ، بل أشدّ من الغيبة ؛ لأ نّه أعظم فِي التصوير والتفهيم ، وكذلك الغيبة بالكتاب فإنّ الكتاب - كما قيل - أحد اللّسانين . ومن ذلك ذكر المصنّف شخصاً معيّناً وتهجين كلامه فِي الكتاب إلّا أن يقترن به شي‏ء من الأعذار المحوجة إلى ذكره كمسائل الاجتهاد التي لايتمّ الغرض من الفتوى‏ وإقامة الدلائل على المطلوب إلّا بتزييف كلام الغير ونحو ذلك . ويجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة في ذلك ، وليس منه قوله : قال قوم كذا مالم يصرّح بشخص معيّن ، ومنها أن يقول الإنسان : بعض من مرّ بنا اليوم أو بعض من رأيناه حالُهُ كذا ، إذا كان المخاطب يفهم منه شخصاً معيّناً ؛ لأنّ المحذور تفهيمه دون ما به التفهيم ، فأمّا إذا لم يفهمه عينه جاز ، كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله إذا كره من إنسان شيئاً قال : ما بالُ أقوامٍ يفعلونَ كذا وكذا ؟ ! ولا يُعيِّن .
ومن أخبث أنواع الغيبة غيبة المتسمّين بالفهم والعلم المرائين ؛ فإنّهم يفهمون المقصود على صفة أهل الصلاح والتقوى‏ ليُظهروا من أنفسهم التعفّف عن الغيبة ويفهمون المقصود ، ولايدرون بجهلهم أنّهم جمعوا بين فاحشتين : الرياء والغيبة ، وذلك مثل أن يذكر عنده إنسان فيقول : الحمد للَّه الذي لم يبتلنا بحبّ الرياسة أو بحبّ الدّنيا أو بالتكيّف بالكيفيّة الفلانيّة ، أو يقول : نعوذ باللَّه من قلّة الحياء أو من سوء التوفيق ، أو نسأل اللَّه أن يعصمنا من كذا ، بل مجرّد الحمد على شي‏ء إذا علم منه اتّصاف المحدّث عنه بما ينافيه ونحو ذلك فإنّه يغتابه بلفظ الدعاء وسمت أهل الصلاح ، وإنّما قصده أن يذكر عيبه بضرب من الكلام المشتمل على الغيبة والرياء ودعوى الخلاص من الرذائل ، وهو عنوان الوقوع فيها ، بل في أفحشها .


ميزان الحکمه المجلد السادس
516

۱۵۶۴۷.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام: إنَّ مِن الغِيبَةِ أن تقولَ في أخيكَ ماسَتَرَهُ اللَّهُ علَيهِ .۱

بيان :

قال الشهيد الثاني رضوان اللَّه عليه في ذكر أقسام الغيبة : لمّا عرفتَ أنّ المراد منها ذِكرُ أخيك بما يكرهه منه لو بلغه أو الإعلام به أو التنبيه عليه ، كان ذلك شاملاً لما يتعلَّق بنُقصانٍ في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه ، حتّى‏ في ثوبه وداره ، وقد أشار الصادق عليه السلام إلى‏ ذلك - أي في مصباح الشريعة - بقوله : وجوهُ الغِيبَةِ تَقَعُ بذِكرِ عَيبٍ فِي الخُلقِ والفِعلِ والمُعامَلَةِ والمَذهَبِ والجَهلِ وأشباهِهِ . فالبدن كذكرك فيه العمش والحول والعور والقرع والقصر والطّول والسّواد والصّفرة وجميع ما يتصوّر أن يوصف به ممّا يكرهه . وأمّا النّسب بأن تقول : أبوه فاسقٌ أو خبيث ، أو خسيس ، أو إسكاف ، أو حائك ، أو نحو ذلك ممّا يكرهه كيف كان ، وأمّا الخُلق بأن تقول : إنّه سيّ‏ء الخُلق بخيل متكبّر مُراءٍ شديد الغضب جبان ضعيف القلب ونحو ذلك . وأمّا في أفعاله المتعلّقة بالدّين كقولك : سارق ، كذّاب ، شارب ، خائن ، ظالم ، متهاون بالصلاة ، لايحسن الركوع والسجود ، ولايحترز من النجاسات ، ليس بارّاً بوالديه ، لايحرس نفسه من الغيبة والتعرّض لأعراض الناس . وأمّا فعله المتعلّق بالدنيا كقولك : قليل الأدب ، متهاون بالناس ، لايرى‏ لأحد عليه حقّاً ، كثير الكلام ، كثير الأكل ، نؤوم ، يجلس في غير موضعه ، ونحو ذلك ، وأمّا في ثوبه كقولك : إنّه واسع الكمّ ، طويل الذّيل ، وسخ الثياب ، ونحو ذلك .
واعلم أنَّ ذلك لايقصر على اللسان ، بل التلفّظِ به إنّما حُرّم لأنّ فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه ، فالتّعريض كالتّصريح ، والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والرّمز والكنية والحركة ، وكلّ مايُفهم المقصود داخل فِي الغيبة ، مساوٍ

1.معاني الأخبار : ۱۸۴/۱ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السادس
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1391
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 198682
الصفحه من 537
طباعه  ارسل الي