وأمّا ما فيه سعادة الجسم وشقاء الروح فهو شقاء للإنسان وعذاب له ، والقرآن يسمّي سعادة الجسم فقط متاعاً قليلاً لا ينبغي أن يعبأ به ، قال تعالى : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذينَ كَفَرُوا في البِلادِ* مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئسَ الْمِهادُ) .۱
وكذا ما فيه شقاء الجسم والروح معاً يعدّه القرآن عذاباً كما يعدّونه عذاباً ، لكن وجه النظر مختلف ؛ فإنّه عذاب عنده لما فيه من شقاء الروح، وعذاب عندهم لما فيه من شقاء الجسم ، وذلك كأنواع العذاب النازلة على الاُمم السالفة ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العِمادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي البِلادِ * وَثَمودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ * وفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتادِ* الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيها الفَسادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) .۲
والسعادةُ والشقاوةُ لذوي الشعور يتقوّمان بالشعور والإدراك ؛ فإنّا لا نعدّ الأمر اللذيذ الذي نِلناه ولم نحسّ به سعادةً لأنفسنا ، كما لا نعدّ الأمر المؤلم غير المشعور به شقاء ، ومن هنا يظهر أنّ هذا التعليم القرآنيّ الذي يسلك في السعادة والشقاوة غير مسلك المادّة ، والإنسان المولع بالمادّة لابدّ من أن يستتبع نوع تربية يرى بها الإنسانُ السعادة الحقيقيّة التي يشخّصها القرآن سعادةً والشقاوة الحقيقيّة شقاوة ، وهو كذلك ، فإنّه يلقن على أهله أن لا يتعلّق قلوبهم بغير اللَّه ، ويروا أنّ ربّهم هو المالك الذي يملك كلّ شيء ، فلا يستقلّ شيء إلّا به ، ولا يقصد شيء إلّا له .
وهذا الإنسان لا يرى لنفسه في الدنيا إلّا السعادة : بين ما كان فيه سعادة روحه وجسمه ، وما كان فيه سعادة روحه محضاً ، وأمّا ما دون ذلك فإنّه يراه عذاباً ونَكالا ، وأمّا الإنسان المتعلّق بهوى النفس ومادّة الدنيا فإنّه وإن كان ربّما يرى ما اقتناه