وهذا موقف علميّ يهدي الإنسان إلى تكاليف ووظائف بالنسبة إلى ربّه وبالنسبة إلى أبناء نوعه في الحياة الدنيا والحياة الآخرة ، وهي التي نسمّيها بالدِّين ؛ فإنّ السنّة التي يلتزمها الإنسان في حياته ولا يخلو عنها حتّى البدويُّ والهمجيُّ إنّما يضعها ويلتزمها أو يأخذها ويلتزمها لنفسه من حيث إنّه يقدّر لنفسه نوعاً من الحياة أيّ نوع كان ، ثمّ يعمل بما استحسنه من السنّة لإسعاد تلك الحياة ، وهذا من الوضوح بمكان .
فالحياة التي يقدّرها الإنسان لنفسه تمثّل له الحوائج المناسبة لها ، فيهتدي بها إلى الأعمال التي تضمن عادةً رفعَ تلك الحوائج ، فيطبّق الإنسانُ عمله عليها وهو السُّنّة أو الدِّين .
فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ النظر في الآيات الأنفُسيّة والآفاقيّة ومعرفة اللَّه سبحانه بها يهدي الإنسانَ إلى التمسّك بالدِّين الحقّ والشريعة الإلهية من جهة تمثيل المعرفة المذكورة الحياةَ الإنسانيّة المؤبّدة له عند ذلك ، وتعلّقها بالتوحيد والمعاد والنبوّة .
وهذه هداية إلى الإيمان والتقوى يشترك فيها الطريقان معاً ؛ أعني طريقَي النظرِ إلى الآفاق والأنفس ، فهما نافعان جميعاً غير أنّ النظر إلى آيات النفس أنفع ؛ فإنّه لا يخلو من العثور على ذات النفس وقواها وأدواتها الروحيّة والبدنيّة ، وما يعرضها من الاعتدال في أمرها أو طغيانها أو خمودها والملكات الفاضلة أو الرذيلة ، والأحوال الحسنة أوالسيّئة التي تقارنها .
واشتغال الإنسان بمعرفة هذه الاُمور والإذعان بما يلزمها من أمن أو خطر وسعادة أو شقاوة لا ينفكّ من أن يعرّفه الداءَ والدواءَ من موقف قريب ، فيشتغل بإصلاح الفاسد منها والالتزام بصحيحها ، بخلاف النظر في الآيات الآفاقيّة ؛ فإنّه وإن دعا إلى إصلاح النفس وتطهيرها من سفاسف الأخلاق ورذائلها وتحليتها بالفضائل