وهذه المعرفة الأحرى بها أن تُسمّى «معرفة اللَّه باللَّه» ، وأمّا المعرفة الفكريّة التي يفيدها النظر في الآيات الآفاقيّة سواء حصلت من قياس أو حدس أو غير ذلك فإنّما هي معرفة بصورة ذهنيّة عن صورة ذهنيّة ، وجلّ الإله أن يحيط به ذهن أو تساوي ذاته صورة مختلقة اختلقها خلق من خلقه ، ولا يحيطون به علماً .
وقد روي في «الإرشاد» و«الاحتجاج» على ما في بحارالأنوار عن الشِّعبيّ عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له : إنَّ اللَّهَ أجلُّ مِن أن يَحتَجِبَ عن شَيءٍ أو يَحتَجِبَ عَنهُ شَيءٌ .۱ وفي «التوحيد» عن موسى بن جَعفَرٍ عليه السلام في كَلامٍ لَهُ : لَيسَ بَينَهُ وبَينَ خَلقِهِ حِجابٌ غَيرَ خَلقِهِ ، احتَجَبَ بِغَيرِ حِجابٍ مَحجوبٍ ، واستَتَرَ بِغَيرِ سِترٍ مَستورٍ ، لا إلهَ إلّا هُوَ الكَبيرُ المُتَعالِ . وفي «التوحيد» مسنداً عن عبدِ الأعلى عن الصادق عليه السلام في حديث: ومَن زَعَمَ أ نَّهُ يَعرِفُ اللَّهَ بِحِجابٍ أو بِصورةٍ أو بِمِثالٍ فهُوَ مُشرِكٌ ؛ لأنَّ الحِجابَ والصورَةَ والمِثالَ غَيرُهُ ، وإنَّما هُوَ واحِدٌ مُوَحَّدٌ ، فكَيفَ يُوَحِّدُ مَن زَعَمَ أ نَّهُ يُوَحِّدُهُ بِغَيرِهِ ؟! إنَّما عَرَفَ اللَّهَ مَن عرَفَهُ باللَّهِ ، فمَن لم يَعرِفْهُ بهِ فليسَ يَعرِفُهُ ، إنّما يَعرِفُ غَيرَهُ ... الحديث . والأخبار المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في معنى ما قدّمناه كثيرة جدّاً لعلّ اللَّه يوفّقنا لإيرادها وشرحها فيما سيأتي إن شاء اللَّه العزيز من تفسير سورة الأعراف.
فقد تحصّل أنّ النظر في آيات الأنفُس أنفَس وأغلى قيمة وأ نّه هو المُنتج لحقيقة المعرفة فحسب ، وعلى هذا فعَدُّه عليه السلام إيّاها أنفعَ المعرفتَينِ لا معرفة متعيّنة إنّما هو لأنّ العامّة من الناس قاصرون عن نيلها . وقد أطبق الكتاب والسنّة وجرت السيرة الطاهرة النبويّة وسيرة أهل بيته الطاهرين على قبول من آمن باللَّه عن نظر آفاقيّ وهو النظر الشائع بين المؤمنين ، فالطريقان نافعان جميعاً ، لكنّ النفع في طريق النفس أتمّ وأغزر .