451
ميزان الحکمه المجلد الخامس

واُلبِسُهُ الحَياءَ حتّى‏ يَستَحيي مِنهُ الخَلقُ كُلُّهُم ، ويَمشي عَلَى الأرضِ مَغفوراً لَهُ ، وأجعَلُ قَلبَهُ واعِياً وبَصيراً ، ولا اُخفي عَلَيهِ شَيئاً مِن جَنَّةٍ ولا نارٍ ، واُعَرِّفُهُ ما يَمُرُّ عَلَى النّاسِ في القِيامَةِ مِنَ الهَولِ والشِّدَّةِ ، وما اُحاسِبُ بِهِ الأغنِياءَ والفُقَراءَ والجُهّالَ والعُلَماءَ ، واُنَوِّمُهُ في قَبرِهِ واُنزِلُ عَلَيهِ مُنكراً ونَكيراً حتّى‏ يَسألاهُ ، ولا يَرى‏ غَمَّ المَوتِ وظُلمَةَ القَبرِ واللَّحدِ وهَولَ المُطَّلَعِ ، ثُمّ أنصِبُ لَهُ ميزانَهُ وأنشُرُ ديوانَهُ ، ثُمّ أضَعُ كِتابَهُ في يَمينه فيَقرَؤهُ مَنشوراً ، ثُمّ لا أجعَلُ بَيني وبَينَهُ تَرجُماناً ، فهذِه صِفاتُ المُحِبّينَ . يا أحمَدُ ، اجعَلْ هَمَّكَ هَمّاً واحِداً ، واجعَلْ لِسانَكَ لِساناً واحِداً ، واجعَلْ بَدَنَكَ حَيّاً لا يَغفَلُ أبَداً ، مَن يَغفَلْ عَنّي لا اُبالي بِأيِّ وادٍ هَلَكَ .
والروايات الثلاثة الأخيرة وإن لم يكن من أخبار هذا البحث المعقود على الاستقامة ، إلّا أ نّا إنّما أوردناها ليقضي الناقد البصير بما قدّمناه من أن المعرفة الحقيقيّة لا تُستوفى‏ بالعلم الفكريّ حقّ استيفائها ؛ فإنّ الروايات تذكر اُموراً من المواهب الإلهيّة المخصوصة بأوليائه لا يُنتجها السَّير الفكريُّ البتّة .
وهي أخبار مستقيمة صحيحة تشهد على‏ صحّتها الكتاب الإلهيّ على‏ ما سنبيّن ذلك فيما سيوافيك من تفسير سورة الأعراف إن شاء اللَّه العزيز .۱

1.الميزان في تفسير القرآن : ۶/۱۶۹ - ۱۷۶ .


ميزان الحکمه المجلد الخامس
450

غيرها انقطع إلى‏ ربّه من كلّ شي‏ء ، وعقب ذلك معرفة ربّه معرفة بلا توسيط وسط ، وعلماً بلا تسبيب سبب ؛ إذ الانقطاع يرفع كلّ حجاب مضروب ، وعند ذلك يذهل الإنسان بمشاهدة ساحة العظمة والكبرياء عن نفسه ، وأحرى‏ بهذه المعرفة أن تُسمّى‏ معرفة اللَّه باللَّه .
وانكشف له عند ذلك من حقيقة نفسه أ نّها الفقيرة إلى اللَّه سبحانه ، المملوكة له ملكاً لا تستقلّ بشي‏ء دونه ، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام : تَعرِفُ نَفسَكَ بهِ ، ولا تَعرِفُ نَفسَكَ بِنَفسِكَ مِن نَفسِكَ ، وتَعلَمُ أنّ ما فيه لَهُ وبهِ .
وفي هذا المعنى‏ ما رواه المسعوديّ في «إثبات الوصيّة» عن أمير المؤمنين عليه السلام، قالَ في خطبةٍ لَهُ : فسُبحانَكَ مَلَأْتَ كُلَّ شَي‏ءٍ وبايَنتَ كُلَّ شَي‏ءٍ فأنتَ لا يَفقِدُكَ شَي‏ءٌ وأنتَ الفَعّالُ لِما تَشاءُ . تَبارَكتَ يا مَن كُلُّ مُدرَكٍ مِن خَلقِهِ ، وكُلُّ مَحدودٍ مِن صُنعِهِ - إلى‏ أن قال - سُبحانَكَ أيُّ عَينٍ تَقومُ نَصبَ بَهاءِ نورِكَ ، وتَرقى‏ إلى‏ نورِ ضِياءِ قُدرَتِكَ ؟! وأيُّ فَهمٍ يَفهَمُ ما دونَ ذلكَ ؟! إلّا أبصارٌ كَشَفتَ عَنها الأغطِيةَ ، وهَتَكتَ عَنها الحُجُبَ العَمِيَةَ ، فَرَقَتْ أرواحُها عَلى‏ أطرافِ أجنِحَةِ الأرواحِ ، فناجَوكَ في أركانِكَ ، ووَلَجوا بَينَ أنوارِ بَهائكَ ، ونَظَروا مِن مُرتَقى‏ التُّربَةِ إلى‏ مُستوَى‏ كِبرِيائكَ ، فَسمّاهُم أهلُ المَلَكوتِ زُوّاراً ، ودَعاهُم أهلُ الجَبَروتِ عُمّاراً .
وفي «بحار الأنوار» عن «إرشاد الدَّيلميِّ» - وذكر بعد ذلك سنَدَين لهذا الحديث - وفيه : فمَن عَمِلَ بِرِضائي اُلزِمْهُ ثَلاثَ خِصالٍ : اُعَرِّفُهُ‏شُكراً لا يُخالِطُهُ الجَهلُ ، وذِكراً لا يُخالِطُهُ النِّسيانُ، ومَحَبَةً لا يُؤْثِرُ عَلى‏ مَحَبَّتي مَحَبَّةَ المَخلوقينَ، فإذا أحَبَّني أحبَبتُهُ، وأفتَحُ عَينَ قَلبِهِ إلى‏ جَلالي ، ولا اُخفي عَلَيهِ خاصَّةَ خَلقي ، واُناجيهِ في ظُلَمِ اللَّيلِ ونورِ النَّهارِ حتّى‏ يَنقَطِعَ حَديثُهُ مَعَ المَخلوقينَ ومُجالَسَتُهُ مَعَهُم ، واُسمِعُهُ كَلامي وكَلامَ مَلائكَتي ، واُعَرِّفُهُ السِّرَّ الّذي سَتَرتُهُ عَن خَلقي ،

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الخامس
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 221978
الصفحه من 562
طباعه  ارسل الي