471
ميزان الحکمه المجلد الخامس

فالربّ المدبّر له يدبّره عن علم ، وإذا كان كذلك فلِمَ لا يجوز أن يفرض هناك آلهة فوق الواحد يدبّرون أمر الكون تدبيراً تعقّليّاً ، وقد توافقوا على‏ أن لا يختلفوا ولا يتمانعوا في تدبيرهم حفظاً للمصلحة ؟ !
قلت : هذا غير معقول ؛ فإنّ معنى التدبير التعقّليّ عندنا هو أن نطبّق أفعالنا الصادرة منّا على ما تقتضيه القوانين العقليّة الحافظة لتلائم أجزاء الفعل وانسياقه إلى‏ غايته ، وهذه القوانين العقليّة مأخوذة من الحقائق الخارجيّة والنظام الجاري فيها الحاكم عليها ، فأفعالنا التعقّليّة تابعة للقوانين العقليّة وهي تابعة للنظام الخارجيّ ، لكنّ الربّ المدبّر للكون فِعلُه نفس النظام الخارجيّ المتبوع للقوانين العقليّة ، فمن المحال أن يكون فعله تابعاً للقوانين العقليّة وهو متبوع ، فافهم ذلك.
فهذا تقرير حجّة الآية ، وهي حجّة برهانيّة مؤلّفة من مقدّمات يقينيّة تدلّ على‏ أنّ التدبير العامّ الجاري - بما يشتمل عليه ويتألّف منه من التدابير الخاصّة - صادر عن مبدأ واحد غير مختلف ، لكنّ المفسّرين قرّروها حجّة على‏ نفي تعدّد الصانع واختلفوا في تقريرها ، وربّما أضاف بعضهم إليها من المقدّمات ما هو خارج عن منطوق الآية ، وخاضوا فيها حتّى‏ قال القائل منهم : إنّها حجّة إقناعيّة غير برهانيّة اُورِدَت إقناعاً للعامّة .۱

۱۲۴۸۰.تفسير القمّي : ثُمّ رَدَّ اللَّهُ عَلَى الثَّنَويَّةِ الّذينَ قالوا بِإلهَينِ فقالَ اللَّهُ تَعالى‏: (ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وما كانَ مَعَهُ مِن إلهٍ ...) قالَ : لَو كانا إلهَينِ كَما زَعَمتُم لَكانا يَختِلفان ؛ فيَخلُقُ هذا ولا يَخلُقُ هذا، ويُريدُ هذا ولا يُريدُ هذا، ويَطلبُ كلُّ واحدٍ مِنهما الغَلَبَةَ، وإذا أرادَ أحدُهُما خَلْقَ إنسانٍ أرادَ الآخرُ خَلْقَ بَهيمَةٍ، فيكونُ إنساناً وبَهيمةً في حالَةٍ واحِدَةٍ ، وهذا غيرُ مَوجودٍ، فَلَمّا بَطُلَ هذا ثَبَتَ التَّدبيرُ والصِنعُ لِواحدٍ، ودَلَّ أيضاً

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۴/۲۶۶ - ۲۶۸ .


ميزان الحکمه المجلد الخامس
470

والآية الكريمة إنّما تنفي الآلهة من دون اللَّه في‏السماء والأرض بهذا المعنى‏ ، لا بمعنى الصانع الموجِد الذي لا قائل بتعدّده . والمراد بكون الإله في السماء والأرض تعلّق اُلوهيّته بالسماء والأرض لاسُكناه فيهما ، فهو كقوله تعالى‏ : (هُوَ الَّذي في السَّماءِ إلهٌ وَفي الأرْضِ إلهٌ) .۱
وتقرير حجّة الآية : أ نّه لو فُرض للعالَم آلهة فوق الواحد لكانوا مختلفين ذاتاً متباينين حقيقةً ، وتباين حقائقهم يقضي بتباين تدبيرهم ، فيتفاسد التدبيرات وتفسد السماء والأرض ، لكنّ النظام الجاري نظام واحد متلائم الأجزاء في غاياتها ، فليس للعالم آلهة فوق الواحد ، وهو المطلوب .
فإن قلت : يكفي في تحقّق الفساد ما نشاهده من تَزاحُم الأسباب والعلل ، وتزاحمها في تأثيرها في الموادّ هو التفاسد .
قلت : تفاسد العلّتين تحت تدبيرَين غير تفاسدهما تحت تدبير واحد ، ليحدّد بعضٌ أثر بعض وينتج الحاصل من ذلك ، وما يوجد من تزاحم العلل في النظام من هذا القبيل ؛ فإنّ العلل والأسباب الراسمة لهذا النظام العامّ على‏ اختلافها وتمانُعها وتزاحُمها لا يُبطِل بعضُها فعّاليّة بعض ؛ بمعنى‏ أن ينتقض بعض القوانين الكلّيّة الحاكمة في النظام ببعض ، فيتخلّف عن مورده مع اجتماع الشرائط وارتفاع الموانع ، فهذا هو المراد من إفساد مدبّر عمل مدبّر آخر ، بل السببان المختلفان المُتنازعان حالهما في تنازعهما حال كفّتَي الميزان المتنازعتَين بالارتفاع والانخفاض ، فإنّهما في عَين اختلافهما متّحدان في تحصيل مايريده صاحب الميزان ، ويخدمانه في سبيل غرضه وهو تعديل الوزن بواسطة اللسان .
فإن قلت : آثار العلم والشعور مشهودة في النظام الجاري في الكون ،

1.الزخرف : ۸۴ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الخامس
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 226347
الصفحه من 562
طباعه  ارسل الي