505
ميزان الحکمه المجلد الخامس

وهذا هو الذي نسمّيه غاية الفاعل في فعله وغرضه من فعله . وقد قطعت الأبحاث الفلسفيّة أنّ الفعل بمعنى الأثر الصادر عن الفاعل إراديّاً كان أو غير إراديّ لا يخلو من غاية .
وكون الفعل مشتملاً على‏ جهة الخيريّة المترتّبة على‏ تحقّقه هو المسمّى‏ بمصلحة الفعل ، فالمصلحة التي يَعدّها العقلاء - وهم أهل الاجتماع الإنسانيّ - مصلحةً هي الباعثة للفاعل على‏ فعله ، وهي سبب إتقان الفعل الموجب لعدّ الفاعل حكيماً في فعله ، ولولاها لكان الفعل لغواً لا أثر له .
ومن الضروريّ أنّ المصلحة المترتّبة على الفعل لا وجود لها قبل وجود الفعل ، فكونها باعثة للفاعل نحو الفعل داعية له إليه إنّما هو بوجودها علماً لا بوجودها خارجاً ؛ بمعنى‏ أنّ الواحد منّا عنده صورة علميّة مأخوذة من النظام الخارجيّ بما فيه من القوانين الكلّيّة الجارية والاُصول المنتظمة الحاكمة بانسياق الحركات إلى‏ غاياتها والأفعال إلى‏ أغراضها وما تحصّل عنده بالتجربة من روابط الأشياء بعضها مع بعض ، ولا ريب أنّ هذا النظام العلميّ تابع للنظام الخارجيّ مترتّب عليه .
وشأن الفاعل الإراديّ منّا أن يطبّق حركاته الخاصّة المسمّاة فعلاً على ما عنده من النظام العلميّ ، ويراعي المصالح المتقرّرة فيه في فعله ببناء إرادته عليها ؛ فإن أصاب في تطبيقه الفعل على العلم كان حكيماً في فعله متقناً في عمله ، وإن أخطأ في انطباق العلم على المعلوم الخارجيّ وإن لم يصب لقصور أو تقصير لم يُسمَّ حكيماً ، بل لاغِياً وجاهلاً ونحوهما .
فالحكمة صفة الفاعل من جهة انطباق فعله على النظام العلميّ المنطبق على النظام الخارجيّ ، واشتمال فعله علَى المصلحة هو ترتّبه على‏ الصورة العلميّة المترتّبة على‏الخارج، فالحكمة بالحقيقة


ميزان الحکمه المجلد الخامس
504

قالَ : فأخبِرْني هَل يُعابُ شَي‏ءٌ مِن خَلقِ اللَّهِ وتَدبيرِهِ ؟ قالَ : لا ، قالَ : فإنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلقَهُ غُرْلاً ، أذلكَ مِنهُ حِكمَةٌ أم عَبَثٌ ؟
قالَ : بَل حِكمَةٌ مِنهُ .
قالَ : غَيَّرتُم خَلقَ اللَّهِ وجَعَلتُم فِعلَكُم في قَطعِ الغُلْفَةِ أصوَبَ مِمّاخَلَقَ اللَّهُ لَها ، وعِبتُم الأغلَفَ واللَّهُ خَلَقَهُ ، ومَدَحتُمُ الخِتانَ وهُوَ فِعلُكُم ، أم تَقولونَ : إنَّ ذلكَ مِنَ اللَّهِ كانَ خَطَأً غَيرَ حِكمَةٍ ؟ !
قالَ عليه السلام: ذلِكَ مِنَ اللَّهِ حِكمَةٌ وصَوابٌ ، غَيرَ أ نَّهُ سَنَّ ذلكَ وأوجَبَهُ عَلى‏ خَلقِهِ ، كما أنَّ المَولودَ إذا خَرَجَ مِن بَطنِ اُمِّهِ وَجَدنا سُرَّتَهُ مُتَّصِلَةً بِسُرَّةِاُمِّهِ ، كذلكَ خَلَقَها الحَكيمُ ، فأمَرَ العِبادَ بِقَطعِها ، وفي تَركِها فَسادٌ بَيِّنٌ لِلمَولودِ والاُمِّ ، وكذلكَ أظفارُ الإنسانِ أمَرَ إذا طالَتْ أن تُقلَمَ ، وكانَ قادِراً يَومَ دَبَّرَ خَلقَ الإنسانِ أن يَخلُقَها خِلقَةً لا تَطولُ ، كذلكَ الشَّعَرُ مِنَ الشّارِبِ والرَّأسِ يطَولُ فيُجَزُّ ، وكذلكَ الثِّيرانُ خَلَقَها اللَّهُ فُحولَةً وإخصاؤها أوفَقُ ، ولَيسَ في ذلكَ عَيبٌ في تَقديرِ اللَّهِ عَزَّوجلَّ .۱

(انظر) الدعاء : باب 1207 حديث 5847 .

بيان :

قال العلّامة الطباطبائيّ في «الميزان في تفسير القرآن» تحت عنوان «بحث في حكمته تعالى‏ ومعنى‏ كون فعله مقارناً للمصلحة» : الحركات المتنوّعة المختلفة التي تصدر منّا إنّما تُعدّ فعلاً لنا إذا تعلّقت نوعاً من التعلّق بإرادتنا ، فلا تعدّ الصحّة والمرض والحركة الاضطراريّة بالحركة اليوميّة أو السنويّة مثلاً أفعالاً لنا ، ومن الضروريّ أنّ إرادة الفعل تتبع العلم برجحانه والإذعان بكونه كمالاً لنا ، بمعنى‏ كون فعله خيراً من تركه ونفعه غالباً على‏ ضرره ، فما في الفعل من جهة الخير المترتّب عليه هو المرجّح له ، أي هو الذي يبعثنا نحو الفعل ، أي هو السبب في فاعليّة الفاعل منّا ،

1.الاحتجاج: ۲/۲۲۶/۲۲۳ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الخامس
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 222303
الصفحه من 562
طباعه  ارسل الي