۱۶۳۲۳.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : لايكونُ الرجُلُ فَقيهاً حتّى لايُبالِيَ أيَّ ثَوبَيهِ ابتَذَلَ ، وبما سَدَّ فَورَةَ الجُوعِ .۱
۱۶۳۲۴.الإمامُ الرِّضا عليه السلام- عن آبائهِ عليهم السلام -: رُفِعَ إلى رسولِ اللَّهِ قَومٌ في بَعضِ غَزَواتِهِ ، فقالَ : مَنِ القَومُ ؟ فَقالوا : مُؤمنونَ يارسولَ اللَّهِ . قالَ : وما بَلَغَ مِن إيمانِكُم ؟ قالوا : الصَّبرُ عندَ البَلاءِ ، والشُّكرُ عندَ الرَّخاءِ ، والرِّضا بالقَضاءِ ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : حُلَماءُ عُلَماءُ كادُوا مِن الفِقهِ۲ أن يَكونوا أنبياءَ ۳ . ۴
1.الخصال : ۴۰/۲۷.
2.قال أبو حامد في بيان مابدِّل من ألفاظ العلوم : اعلم أنَّ منشأ التباس العلوم المذمومة بالعلوم الشرعيَّة تحريف الأسامي المحمودة وتبديلها ونقلها بالأغراض الفاسدة إلى معانٍ غير ما أراده السلف الصالح والقرن الأوّل ، وهي خمسة ألفاظ : الفقه ، والعلم ، والتوحيد ، والتذكير ، والحكمة ؛ فهذه أسامي محمودة ، والمتَّصفون بها أرباب المناصب في الدِّين ، ولكنَّها نُقلت الآن إلى معانٍ مذمومة فصارت القلوب تنفر عن مذمَّة من يتَّصف بمعانيها لشيوع إطلاق هذه الأسامي عليهم .
اللفظ الأوّل : الفقه ، فقد تصرَّفوا فيه بالتخصيص لا بالنقل والتحويل ؛ إذ خصَّصوه بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى ، والوقوف على دقائق عللها ، واستكثار الكلام فيها ، وحفظِ المقالات المتعلَّقة بها ، فمن كان أشدَّ تعمُّقاً فيها وأكثر اشتغالا بها يقال : هو الأفقَه ! ولقد كان اسم الفقه في العصر آفات النفوس ، ومفسداتالأوّل مُطلَقاً على عِلم طريق الآخرة ، ومعرفة دقائق الأعمال ، وقوَّة الإحاطة بحقارة الدنيا ، وشدّة التطلُّع إلى نعيم الآخرة ، واستيلاء الخوف على القلب . ويدلُّك على ذلك قول اللَّه تبارك وتعالى : (لِيَتَفَقَّهوا في الدِّينِ وليُنْذِرُوا قَومَهُم إذا رَجَعُوا إلَيهِم) التوبة : ۱۲۲ .
وما به الإنذار والتخويف هو هذا العلم وهذا الفقه دون تفريعات الطَّلاق واللِّعان والسلم والإجارة ، فذلك لايحصل به إنذار ولاتخويف ، بل التجرُّد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما يشاهد من المتجرِّدين له ، قالَ اللَّه تعالى : (لَهُم قُلُوبٌ لايَفْقَهُونَ بِها) الأعراف : ۱۷۹.
وأراد به معاني الإيمان دون الفتاوى . ولَعَمري الفقه والفهم في اللغة اسمان لمعنىً واحد ، وإنّما يتكلَّم في عادة الاستعمال قديماً وحديثاً ، وقال تعالى : (لأَنتُم أشَدُّ رَهْبَةً في صُدُورِهِم مِنَ اللَّهِ ذلكَ بأ نّهُم قَومٌ لايَفْقَهونَ) الحشر : ۱۳ .
فأحال قلَّة خوفهم من اللَّه عَزَّوجلّ واستعظامهم سطوةَ الخلق على قلَّة الفقه ، فانظر أكان ذلك نتيجة عدم الحفظ لتفريعات الفتاوى والأقضيَة ، أو هو نتيجة عدم ما ذكرناه من العلوم ؟
وقد قال صلى اللَّه عليه وآله : «عُلَماءُ حُكَماءُ فُقَهاءُ». للذين وفَدوا عليه .
وقالَ صلى اللَّه عليه وآله : «ألا اُنبِّئكُم بالفَقيهِ كُلِّ الفَقيهِ ؟ قالوا : بلى ، قالَ صلى اللَّه عليه وآله : مَن لم يُقَنِّطِ الناسَ مِن رَحمَةِ اللَّهِ - سبحانَهُ - ولم يُؤمِنْهُم مِن مَكرِ اللَّهِ - عَزَّوجلَّ - ولم يُؤيِسْهُم مِن رَوحِ اللَّهِ - عَزَّوجلَّ - ولم يَدَعِ القرآنَ رَغبَةً عَنهُ إلى ما سِواهُ» .
وقالَ صلى اللَّه عليه وآله : «لايَفقَهُ العَبدُ كلَّ الفِقهِ حتّى يَمقُتَ الناسَ في ذاتِ اللَّهِ عَزَّوجلَّ ، وحتّى يَرى لِلقرآنِ وُجوهاً كثيرَةً» .
وروي أيضاً موقوفاً على أبي الدَّرداء مع قوله صلى اللَّه عليه وآله «ثُمّ يُقبِلَ على نفسِهِ فيَكونَ لَها أشَدَّ مَقتاً» .
وقال بعض السلف : إنّما الفقيه الزاهد في الدنيا ، الراغب في الآخرة ، البصير بدينه ، المداوم على عبادة ربِّه ، الوَرِع الكافُّ نفسَه عن أعراض المسلمين ، العفيف عن أموالهم ، الناصح لجماعتهم . ولم يَقُل في جميع ذلك ، الحافظ لفروع الفتاوى . ولست أقول : إنّ اسم الفقه لم يكن متناولا للفتاوى في الأحكام الظاهرة ، ولكن كان بطريق العموم والشمول أو بطريق الاستتباع ، وكان إطلاقهم له على علم الآخرة وأحكام القلب أكثر ، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعض الناس علَى التجرُّد له والإعراض عن علم الآخرة وأحكام القلب ووجدوا على ذلك معيناً من الطبع ؛ فإنَّ علم الباطن غامض والعمل به عسير والتوصُّل به إلى طلب الولاية والقضاء والجاه والمال متعذِّر ، فوجد الشيطان مجالا لتحسين ذلك في القلوب بواسطة تخصيص اسم الفقه الذي هو اسم محمود في الشرع. (المحجّة البيضاء : ۱/۸۱ - ۸۳) .
وقال الشهيد الثاني رضوان اللَّه تعالى عليه في «مُنية المُريد » : ... إنَّ مجرَّد تعلُّم هذه المسائل المدوَّنة ليس هو الفقه عند اللَّه تعالى ، وإنّما الفقه عند اللَّه تعالى بإدراك جلاله وعظمته ، وهو العلم الذي يورث الخوف والهيبة والخشوع ويحمل علَى التقوى ومعرفة الصفات المَخوفة فيجتنبها والمحمودة فيرتكبها ، ويستشعر الخوف ويستثير الحزن كما نبَّه اللَّه تعالى عليه في كتابه بقوله : (فلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٍ مِنهُم طائفَةٌ ليتَفقَّهوا في الدِّينِ ولِيُنذِروا قَومَهُم إذا رَجَعوا إلَيهِم). والذي يحصل به الإنذار غير هذا العلم المدوَّن ، فإنَّ مقصود هذا العلم حفظ الأموال بشروط المعاملات ، وحفظ الأبدان بالأموال ، وبدفع القتل والجراحات ... وإنّما العلم المهمُّ هو معرفة سلوك الطريق إلَى اللَّه تعالى وقطع عَقَبات القلب التي هي الصفات المذمومة وهي الحجاب بين العبدوبين اللَّه تعالى، فإذا ماتملوَّثاً بتلك الصفات كان محجوباً عن اللَّه تعالى ، ومن ثمَّ كان العلم موجباً للخشية. (منية المريد:۱۵۷).
3.مشكاة الأنوار : ۷۵/۱۴۳ .
4.(انظر) الإيمان : باب ۲۶۹ حديث ۱۳۸۸.