191
ميزان الحکمه المجلد السابع

وبالعلم بدرجة انحراف البلد يمكن للمستعمل أن يشخِّص جهة القبلة .
لكن هذا السعي منهم - شكر اللَّه تعالى‏ سعيهم - لم يَخلُ من النقص والاشتباه من الجهتَين جميعاً . أمّا من جهة الاُولى : فإنّ المتأخّرين من الرياضيّين عثروا على‏ أنّ المتقدّمين اشتبه عليهم الأمر في تشخيص الطول ، واختلّ بذلك حساب الانحراف فتشخيص جهة الكعبة؛ وذلك أنّ طريقهم إلى‏ تشخيص عرض البلاد - وهو ضبط ارتفاع القطب الشماليّ - كان أقرب إلى التحقيق ، بخلاف الطريق إلى‏ تشخيص الطول ، وهو ضبط المسافة بين النقطتين المشتركتين في حادثة سماويّة مشتركة ، كالخسوف بمقدار سَير الشمس حسّاً عندهم ، وهو التقدير بالساعة ، فقد كان هذا بالوسائل القديمة عسيراً وعلى‏ غير دقَّة ، لكنّ توفّر الوسائل وقرب الروابط اليوم سهّل الأمر كلّ التسهيل ، فلم تَزَل الحاجة قائمة على‏ ساق ، حتّى‏ قام الشيخ الفاضل البارع الشهير بالسَّردار الكابُليّ - رحمة اللَّه عليه - في هذه الأواخر بهذا الشّأن ، فاستخرج الانحراف القِبليّ بالاُصول الحديثة ، وعمل فيه رسالته المعروفة ب «تُحفة الأجلّة في معرفة القبلة» . وهي رسالة ظريفة بيّن فيها طريق عمل استخراج القبلة بالبيان الرياضيّ ، ووضع فيها جداول لتعيين قبلة البلاد .
ومن ألطف ما وفِّق له في سعيه - شكر اللَّه سعيه - ما أظهر به كرامة باهرة للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله في محرابه المحفوظ في مسجد النبيّ بالمدينة .
وذلك أنّ المدينة على‏ ما حاسبه القدماء كانت ذات عرض 25 درجة وطول 75 درجة [و ]20 دقيقة ، وكانت لا توافقه قبلة محراب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله في مسجده ، ولذلك كان العلماء لا يزالون باحثين في أمر قبلة المحراب ، وربّما ذكروا في انحرافه وجوهاً لا تصدّقها حقيقة الأمر ، لكنّه رحمة اللَّه عليه أوضح أنّ المدينة على‏ عرض 24 درجة [و]


ميزان الحکمه المجلد السابع
190

بِعَضُدَيهِ وحَوَّلَهُ إلَى الكعبَةِ وأنزَلَ علَيهِ : (قَد نَرى‏ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ في السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسجِدِ الحَرامِ) وكانَ صَلّى‏ رَكعَتَينِ إلى‏ بَيتِ المَقدِسِ ورَكعَتَينِ إلَى الكعبَةِ ، فقالَتِ اليَهودُ والسُّفَهاءُ : ما وَلّاهُم عن قِبلَتِهِمُ التي كانوا علَيها ؟!۱

۱۶۴۴۵.الإمامُ العسكريُّ عليه السلام- في قولِهِ تعالى‏ :(وإن كانَتْ لَكبيرَةً إلّا علَى الّذينَ هَدَى اللَّهُ)-: أي إن كانَ التَّوجُّهُ إلَى بَيتِ المَقدِسِ في ذلكَ الوَقتِ كبيرَةً إلّا على‏ مَن يَهدي اللَّهُ ، فَعَرَفَ أنَّ اللَّهَ يَتَعبَّدُ بخِلافِ ما يُريدُهُ المَرءُ لِيَبتَليَ طاعَتَهُ في مُخالَفَةِ هَواهُ ۲ . ۳

بحثٌ علميٌّ :

تشريع القبلة في الإسلام ، واعتبار الاستقبال في الصلاة - وهي عبادة عامَّة بين المسلمين - وكذا في الذبائح ، وغير ذلك ممّا يُبتلى‏ به عموم الناس أحوَجَ الناسَ إلى البحث عن جهة القِبلة وتعيينها . وقد كان ذلك منهم في أوَّل الأمر بالظنِّ والحِسبان ونوع من التخمين ، ثمّ استنهض الحاجة العموميّة الرياضيِّين من علمائهم أن يقرِّبوه من التحقيق ، فاستفادوا من الجداول الموضوعة في الزِّيجات لبيان عرض البلاد وطولها ، واستخرجوا انحراف مكّة عن نقطة الجنوب في البلد ، أي انحراف الخطِّ الموصول بين البلد ومكّة عن الخطِّ الموصول بين البلد ونقطة الجنوب (خطّ نصف النهار) بحساب الجُيوب والمُثلّثات ، ثمّ عيَّنوا ذلك في كلِّ بلدة من بلاد الإسلام بالدائرة الهنديَّة المعروفة المعيّنة لخطِّ نصف النهار ، ثمّ درجات الانحراف وخطّ القبلة .
ثمّ استعملوا لتسريع العمل وسهولته الآلة المغناطيسيّة المعروفة بالحكِّ ، فإنّها بعقربتها تعيِّن جهة الشمال والجنوب ، فتنوب عن الدائرة الهنديّة في تعيين نقطة الجنوب ،

1.مجمع البيان : ۱/۴۱۳ .

2.الاحتجاج : ۱/۸۶/۲۵ .

3.قال العلّامة الطباطبائيّ رحمة اللَّه عليه : الروايات الواردة من طرق العامّة والخاصّة كثيرة مُودعَة في جوامع الحديث قريبة المضامين ، وقد اختُلف في تاريخ الواقعة ، وأكثرها - وهو الأصحّ - أنّها كانت في رجب السنة الثانية من الهجرة الشهر السابع عشر منها. (الميزان في تفسير القرآن : ۱/۳۳۱) .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 237290
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي