195
ميزان الحکمه المجلد السابع

من قبائل اليمن ، وهي بناء مربّع تقريباً وزواياها الأربع إلى الجهات الأربع تتكسّر عليها الرياح ولا تضرّها مهما اشتدّت .
ما زالت الكعبة على‏ بناء إبراهيم حتّى‏ جدّدها العَمالِقة ثمّ بنو جُرهُم (أو بالعكس) كما مرّ في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام .
ثمّ لمّا آل أمر الكعبة إلى‏ قُصيّ بن كِلاب أحد أجداد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله (القرن الثاني قبل الهجرة) هدمها وبناها فأحكم بناءها ، وسقّفها بخشب الدّوم وجذوع النخل ، وبنى‏ إلى‏ جانبها دار النَّدوَة ، وكان في هذه الدار حكومته وشوراه مع أصحابه ، ثمّ قسّم جهات الكعبة بين طوائف قريش ، فبنَوا دُورهم على المَطاف حول الكعبة ، وفتحوا عليه أبواب دورهم .
وقبل البعثة بخمس سنين هدم السيل الكعبة ، فاقتسمت الطوائف العمل لبنائها ، وكان الذي يبنيها ياقوم الروميّ ، ويساعده عليه نجّار مصريّ ، ولمّا انتهوا إلى‏ وضع الحجر الأسوَد تنازعوا بينهم في أنّ أيّها يختصّ بشرف وضعه ، فرأوا أن يحكّموا محمداً صلى اللَّه عليه وآله ، وسنّه إذ ذاك خمس وثلاثون سنة لِما عرفوا من وُفور عقله وسداد رأيه ، فطلبَ رداء ووضع عليه الحجر ، وأمر القبائل فأمسكوا بأطرافه ورفعوه حتّى‏ إذا وصل إلى‏ مكانه من البناء في الرّكن الشرقيّ ، أخذه هو فوضعه بيده في موضعه .
وكانت النفقة قد بهظتهم فقصروا بناءها على‏ ما هي عليه الآن ، وقد بقي بعض ساحته خارج البناء من طرف الحِجْر - حِجْر إسماعيل - لاستصغارهم البناء .
وكان البناء على‏ هذا الحال حتّى‏ تسلّط عبداللَّه بن الزبير على الحجاز في عهد يزيد بن معاوية ، فحاربه الحُصَين قائد يزيد بمكّة ، وأصاب الكعبة بالمنجنيق فانهدمت واُحرقت كِسوَتها وبعض أخشابها ، ثمّ انكشف عنها لموت يزيد ، فرأى ابن الزبير أن


ميزان الحکمه المجلد السابع
194

التي لولاها لم يكن لها حياة ولا كينونة ، وإلى‏ تمثيله تحتاج العبادة في كمالها وثباتها واستقرار تحقّقها .
وقد كانت الوثنيّون وعَبدَة الكواكب وسائر الأجسام من الإنسان وغيره يستقبلون معبوداتهم وآلهتهم ، ويتوجّهون إليهم بالأبدان في أمكنة متقاربة .
لكن دين الأنبياء ونخصّ بالذكر من بينها دين الإسلام الذي يصدّقها جميعاً وضعَ الكعبة قِبلةً ، وأمر باستقبالها في الصلاة ، التي لا يُعذَر فيها مسلم ، أينما كان من أقطار الأرض وآفاقها ، ونهى عن استقبالها واستدبارها في حالات ، ونَدَب إلى‏ ذلك في اُخرى‏ ، فاحتفظ على‏ قلب الإنسان بالتوجّه إلى‏ بيت اللَّه ، وأن لا ينسى‏ ربّه في خلوته وجلوته ، وقيامه وقعوده ، ومنامه ويقظته ، ونُسكه وعبادته حتّى‏ في أخسّ حالاته وأردأها ، فهذا بالنظر إلى الفرد .
وأمّا بالنظر إلى الاجتماع فالأمر أعجب والأثر أجلى‏ وأوقع ؛ فقد جَمعَ الناسَ على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم على التوجّه إلى‏ نقطة واحدة ، يمثّل بذلك وحدتهم الفكريّة وارتباط جامعتهم ، والتئام قلوبهم . وهذا ألطف روح يمكن أن تنفذ في جميع شؤون الأفراد في حيويّتها المادّيّة والمعنويّة ، تعطي من الاجتماع أرقاه ، ومن الوحدة أوفاها وأقواها ، خصّ اللَّه تعالى‏ بها عباده المسلمين ، وحفظ به وحدة دينهم ، وشوكة جمعهم ، حتّى‏ بعد أن تحزّبوا أحزاباً ، وافترقوا مذاهب وطرائق قِدداً ، لا يجتمع منهم اثنان على‏ رأي، نشكر اللَّه تعالى‏ على‏ آلائه.۱

بحث تاريخيّ :

من المتواتر المقطوع به أنّ الذي بنى الكعبة إبراهيم الخليل عليه السلام، وكان القاطنون حولها يومئذ ابنه إسماعيل وجُرهُم‏۲

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱/۳۳۷ .

2.جُرْهُم : حيّ من اليمن نزلوا مكّة وتزوّج فيهم إسماعيل بن إبراهيم‏عليهما السلام، وهم أصهاره ، ثمّ ألحدوا في الحرم فأبادهم اللَّه تعالى‏ . (لسان العرب : ۱۲/۹۷) .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 237211
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي