301
ميزان الحکمه المجلد السابع

وسطاً بين الإلغاء والإثبات ، فأثبت القصاص وألغى‏ تعيّنه بل أجاز العفو والدِّية ، ثمّ عدّل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول ، فالحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والاُنثى‏ بالاُنثى‏ .
وقد اعتُرِض علَى القِصاص مطلقاً وعلَى القصاص بالقتل خاصّة بأنّ القوانين المدنيّة التي وضعتها الملل الراقية لا ترى‏ جوازها وإجراءها بين البشر اليوم .
قالوا : إنّ القتل بالقتل ممّا يستهجنه الإنسان وينفر عنه طبعه ويمنع عنه وجدانه إذا عرض عليه رحمة وخدمة للإنسانيّة . وقالوا : إذا كان القتل الأوّل فقداً لفرد فالقتل الثاني فقد على‏ فقد . وقالوا : إنّ القتل بالقصاص من القسوة وحبّ الانتقام ، وهذه صفة يجب أن تُزاح عن الناس بالتربية العامّة ويؤخذ في القاتل أيضاً بعقوبة التربية ، وذلك إنّما يكون بما دون القتل من السجن والأعمال الشاقّة . وقالوا : إنّ المجرم إنّما يكون مجرماً إذا كان مريض العقل ، فالواجب أن يوضع القاتل المجرم في المستشفيات العقليّة ويعالَج فيها . وقالوا : إنّ القوانين المدنيّة تتبع الاجتماع الموجود ، ولمّا كان الاجتماع غير ثابت على‏ حال واحد كانت القوانين كذلك ، فلا وجه لثبوت القصاص بين الاجتماع للأبد حتّى الاجتماعات الراقية اليوم ، ومن اللازم أن يستفيد الاجتماع من وجود أفرادها ما استيسر ، ومن الممكن أن يعاقب المجرم بما دون القتل ممّا يعادل القتل من حيث الثمرة والنتيجة كحبس الأبد أو حبس مدّة سنين ، وفيه الجمع بين الحقّين : حقّ المجتمع وحقّ أولياء الدم ، فهذه الوجوه عمدة ما ذكره المنكرون لتشريع القصاص بالقتل.
وقد أجاب القرآن عن جميع هذه الوجوه بكلمة واحدة ، وهي قوله تعالى‏ : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الأرْضِ فَكأ نَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً ومَنْ أحْياها فَكَأ نَّما أحْيَا الناسَ جَمِيعاً)۱.

1.المائدة : ۳۲ .


ميزان الحکمه المجلد السابع
300

۱۶۸۷۶.الإمامُ زينُ العابدينَ عليه السلام- في قولِهِ تعالى‏:(ولَكُم في القِصاصِ حَياةٌ)-: لأنَّ مَن هَمَّ بالقَتلِ فَعَرَفَ أ نّهُ يُقتَصُّ مِنهُ فكَفَّ لِذلكَ عنِ القَتلِ كانَ حَياةً لِلّذي (كانَ) هَمَّ بقَتلِهِ ، وحَياةً لهذا الجاني الذي أرادَ أن يَقتُلَ ، وحَياةً لغَيرِهِما مِن الناسِ إذا عَلِموا أنَّ القِصاصَ واجِبٌ لا يَجرؤونَ علَى القَتلِ مَخافَةَ القِصاصِ.۱

۱۶۸۷۷.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : إنَّ اللَّهَ بَعَثَ محمّداً بخَمسَةِ أسيافٍ : سَيفٌ مِنها مَغمودٌ سَلُّهُ إلى‏ غيرِنا وحُكمُهُ إلَينا ، فأمّا السَّيفُ المَغمودُ فهُو الذي يُقامُ بهِ القِصاصُ ، قالَ اللَّهُ جلَّ وَجهُهُ : (النَّفْسُ بالنَّفْسِ) الآية ، فَسَلُّهُ إلى‏ أولياءِ المَقتولِ وحُكمُهُ إلَينا .۲

بحثٌ علميٌّ :

كانت العرب أوانَ نزول آية القصاص وقبله تعتقد القِصاص بالقتل لكنها ما كانت تحدّه بحدّ ، وإنّما يتبع ذلك قوّة القبائل وضعفها ، فربّما قُتِل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فسلك في القتل مسلك التساوي ، وربما قُتِل العشرة بالواحد والحرّ بالعبد والرئيس بالمرؤوس ، وربما أبادت قبيلةٌ قبيلةً اُخرى لواحد قُتل منها .
وكانت اليهود تعتقد القِصاص كما ورد في الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس والثلاثين من العدد ، وقد حكاه القرآن حيث قال تعالى : (وكَتَبْنا علَيهِم فيها أنَّ النَّفْسَ بالنَّفْسِ والعَيْنَ بالعَيْنِ والأنْفَ بالأنْفِ والاُذُنَ بالاُذُنِ والسِّنَّ بالسِّنِّ والجُروحَ قِصاصٌ) .۳
وكانت النصارى‏ على‏ ما يُحكى‏ لا ترى‏ في مورد القتل إلّا العفو والدِّية ، وسائر الشعوب والاُمم علَى اختلاف طبقاتهم ما كانت تخلو عن القصاص في القتل في الجملة وإن لم يضبطه ضابط تامّ حتَّى القرون الأخيرة .
والإسلام سلك في ذلك مسلكاً

1.التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام : ۵۹۵/۳۵۴ .

2.تفسير العيّاشيّ : ۱/۳۲۴/۱۲۸.

3.المائدة : ۴۵ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 237822
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي