303
ميزان الحکمه المجلد السابع

بالانعكاس في الوقائع التاريخيّة ، (فَمَنْ يَعمَلْ مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ * ومَنْ يَعمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّاً يَرَهُ)۱ ولكلّ عمل عكس عمل في قانونها ، لكنها تعدّ القتل في مورد القتل ظلماً وتنقض حكم نفسها !
على‏ أنّ الإسلام لا يرى‏ في الدنيا قيمة للإنسان يقوم بها ولا وزناً يوزن به إلّا إذا كان على‏ دين التوحيد ، فوزن الاجتماع الإنسانيّ ووزن الموحّد الواحد عنده سيّان ، فمن الواجب أن يكون حكمهما عنده واحداً ، فمن قتل مؤمناً كان كمن قتل الناس جميعاً من نظر إزرائه وهتكه لشرف الحقيقة ، كما أنّ من قتل نفساً كان كمن قتل الناس جميعاً من نظر الطبيعة الوجوديّة . وأمّا الملل المتمدّنة فلا يبالون بالدِّين ولو كانت شرافة الدِّين عندهم تعادل في قيمتها أو وزنها - فضلاً عن التفوّق - الاجتماعَ المدنيّ في الفضل لحكموا فيه بما حكموا في ذلك .
على‏ أنّ الإسلام يشرّع للدنيا لا لقوم خاصّ واُمّة معيّنة ، والملل الراقية إنّما حكمت بما حكمت بعد ما أذعنت بتمام التربية في أفرادها وحسن صنيع حكوماتها ودلالة الإحصاء في مورد الجنايات والفجائع على‏ أنّ التربية الموجودة مؤثّرة وأنّ الاُمّة في أثر تربيتهم متنفّرة عن القتل والفجيعة فلا تتّفق بينهم إلّا في الشذوذ ، وإذا اتّفقت فهي ترتضي المجازاة بما دون القتل ، والإسلام لا يأبى عن تجويز هذه التربية وأثرها الذي هو العفو مع قيام أصل القصاص على‏ ساق .
ويلوّح إليه قوله تعالى‏ في آية القصاص : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِن أخيهِ شَي‏ءٌ فَاتِّباعٌ بالمَعْرُوفِ وأداءٌ إلَيهِ بِإحْسانٍ)۲ ، فاللسان لسان التربية ، وإذا بلغ قوم إلى حيث أذعنوا بأنّ الفخر العموميّ في العفو لم ينحرفوا عنه إلى‏ مسلك الانتقام .

1.الزلزلة : ۷ ، ۸ .

2.البقرة : ۱۷۸ .


ميزان الحکمه المجلد السابع
302

بيان ذلك : أنّ القوانين الجارية بين أفراد الإنسان وإن كانت وضعية اعتبارية يراعى‏ فيها مصالح الاجتماع الإنسانيّ غير أنّ العلّة العاملة فيها من أصلها هي الطبيعة الخارجيّة الإنسانيّة الداعية إلى‏ تكميل نقصها ورفع حوائجها التكوينيّة ، وهذه الواقعيّة الخارجيّة ليست هي العدد العارض علَى الإنسان ولا الهيئة الواحدة الاجتماعيّة ، فإنّها نفسها من صُنع الوجود الكونيّ الإنسانيّ بل هي الإنسان وطبيعته ، وليس بين الواحد من الإنسان والاُلوف المجتمعة منه فرق في أنّ الجميع إنسان ووزن الواحد والجميع واحد من حيث الوجود .
وهذه الطبيعة الوجوديّة تَجهّزت في نفسها بقوىً وأدوات تدفع بها عن نفسها العدم لكونها مفطورة على‏ حبِّ الوجود ، وتطرد كلّ ما يسلب عنه الحياة بأيّ وسيلة أمكنت وإلى أيّ غاية بلغت حتّى القتل والإعدام ، ولذا لا تجد إنساناً لا تقضي فطرته بتجويز قتل من يريد قتله ولا ينتهي عنه إلّا به ، وهذه الاُمم الراقية أنفسهم لا يتوقّفون عن الحرب دفاعاً عن استقلالهم وحُرّيّتهم وقوميّتهم ، فكيف بمن أراد قتل نفوسهم عن آخرها ، ويدفعون عن بطلان القانون بالغاً ما بلغ حتّى‏ بالقتل ويتوسّلون إلى‏ حفظ منافعهم بالحرب إذا لم يعالج الداء بغيرها ، تلك الحرب التي فيها فناء الدنيا وهلاك الحرث والنسل ولا يزال ملل يتقدمون بالتسليحات وآخرون يتجهّزون بما يجاوبهم ، وليس ذلك كلّه إلّا رعاية لحال الاجتماع وحفظاً لحياته ، وليس الاجتماع إلّا صنيعة من صنايع الطبيعة فما بال الطبيعة يجوّز القتل الذريع والإفناء والإبادة لحفظ صنيعة من صنائعها - وهي الاجتماع المدنيّ - ولا تجوّزها لحفظ حياة نفسها ؟ ! وما بالها تجوّز قتل من يهمّ بالقتل ولم يفعل ولا تجوّزه فيمن همّ وفعل ؟ ! وما بال الطبيعة تقضي

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 237764
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي