315
ميزان الحکمه المجلد السابع

الإمساك عنه وترك الخوض فيه ، ولم يكن النهي عنه عامّاً لكافّة المكلّفين ، وقد يصلح بعض الناس بشي‏ء يفسد به آخرون ، ويفسد بعضهم بشي‏ء يصلح به آخرون ، فدبّر الأئمّة عليهم السلام أشياعهم في الدِّين بحسب ما علموه من مصالحهم فيه .
والوجه الآخر : أن يكون النهي عن الكلام فيهما النهي عن الكلام فيما خلق اللَّه تعالى وعن علله وأسبابه وعمّا أمر به وتعبّد ، وعن القول في علل ذلك إذ كان طلب علل الخلق والأمر محظوراً ، لأنّ اللَّه تعالى‏ سترها من أكثر خلقه ، ألا ترى‏ أ نّه لا يجوز لأحد أن يطلب لخلقه جميع ما خلق عللاً مفصّلات ، فيقول : لِمَ خَلَق كذا وكذا ؟ حتّى‏ يعدّ المخلوقات كلّها ويحصيها ، ولا يجوز أن يقول : لم أمر بكذا وتعبّد بكذا ونهى‏ عن كذا ؟ إذ تعبّده بذلك وأمره لما هو أعلم به من مصالح الخلق ، ولم يطلع أحداً من خلقه على‏ تفصيل ما خلق وأمر به وتعبّد ، وإن كان قد أعلم في الجملة أ نّه لم يخلق الخلق عبثاً ، وإنّما خلقهم للحكمة والمصلحة ، ودلّ على‏ ذلك بالعقل والسّمع ، فقال سبحانه : (وما خَلَقْنا السَّماءَ والأَرضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ)۱ وقال : (أفَحَسِبْتُم أ نّما خَلَقناكُم عَبَثاً)۲وقال : (إنّا كُلَّ شَي‏ءٍ خَلَقْناهُ بقَدَرٍ)۳ يعني بحقّ ووضعناه في موضعه ، وقال : (وما خَلَقْتُ الجِنَّ والإِنسَ إلّا لِيَعبُدونِ)۴ وقال فيما تعبّد : (لَن يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها ولا دِماؤها ولكِن يَنالُهُ التَّقوى‏ مِنكُم)۵.
وقد يصحّ أن يكون تعالى‏ خلق حيواناً بعينه لعلمه تعالى‏ بأ نَّه يؤمن عند خلقه كفّار ، أو يتوب عند ذلك فسّاق ، أو ينتفع به مؤمنون ، أو يتّعظ به ظالمون ، أو ينتفع المخلوق نفسه بذلك ، أو يكون عبرة لواحد في الأرض أو في السماء ، وذلك يغيب عنّا ، وإن قطعنا في الجملة أنّ جميع ما صنع اللَّه تعالى‏ إنّما صنعه لأغراض حكميّة ، ولم يصنعه عبثاً ، وكذلك

1.الأنبياء : ۱۶ .

2.المؤمنون : ۱۱۵ .

3.القمر : ۴۹ .

4.الذاريات : ۵۶ .

5.الحجّ : ۳۷ .


ميزان الحکمه المجلد السابع
314

ولا وجه لقولهم : قضى المعاصي على‏ معنى أمرَ بها ؛ لأ نّه تعالى‏ قد أكذَبَ مدّعي ذلك بقوله تعالى‏: (إنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بالفَحْشاءِ أتقولونَ علَى اللَّهِ ما لا تَعلَمونَ)۱.
ولا معنى‏ لقول من زعم أ نّه قضى‏ بالمعاصي على‏ معنى‏ أ نّه أعلم الخلق بها إذ كان الخلق لا يعلمون أ نّهم في المستقبل يطيعون أو يعصون ، ولا يحيطون علماً بما يكون منهم في المستقبل علَى التفصيل .
ولا وجه لقولهم : إنّه قضى‏ بالذنوب على‏ معنى‏ أ نّه حكَمَ بها بين العباد ، لأنّ أحكام اللَّه تعالى‏ حقّ ، والمعاصي منهم ، ولا لذلك فائدة ، وهو لغو باتّفاق ، فبطل قول من زعم أنّ اللَّه تعالى‏ يقضي بالمعاصي والقبائح .
والوجه عندنا في القضاء والقدر بعد الذي بيّناه أنّ للَّه تعالى‏ في خلقه قضاء وقدراً ، وفي أفعالهم أيضاً قضاء وقدراً معلوماً ، ويكون المراد بذلك أ نّه قد قضى‏ في أفعالهم الحسنة بالأمر بها ، وفي أفعالهم القبيحة بالنّهي عنها ، وفي أنفسهم بالخلق لها ، وفيما فعله فيهم بالإيجاد له ، والقدر منه سبحانه فيما فعله إيقاعه في حقّه وموضعه ، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي والثواب والعقاب ، لأنّ ذلك كلّه واقع موقعه وموضوع في مكانه لم يقع عبثاً ولم يصنع باطلاً .
فإذا فسّر القضاء في أفعال اللَّه تعالى‏ والقدر بما شرحناه زالت الشبهة منه وثبتت الحجّة به ووضح القول فيه لذوي العقول ولم يلحقه فساد ولا اختلال .
فأمّا الأخبار التي رواها [ يعني الصدوق رحمة اللَّه عليه ]في النهي عن الكلام في القضاء والقدر فهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون النهي خاصّاً بقوم كان كلامهم في ذلك يفسدهم ويضلّهم عن الدين ولا يصلحهم إلّا

1.الأعراف : ۲۸ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 240517
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي