317
ميزان الحکمه المجلد السابع

فإذا تمّت عللها الموجبة لها وكملت ما تتوقّف عليه من الشرائط وارتفاع الموانع ولم يبق لها إلّا أن تتحقّق خرجت من التردّد والإبهام ، وتعيّن لها أحد الطرفين ، وهو التحقّق أو عدم التحقّق ، إن فرض انعدام شي‏ء ممّا يتوقف عليه وجودها ، ولا يفارق تعيّن التّحقّق نفس التحقّق .
والاعتباران جاريان في أفعالنا الخارجيّة ، فما لم نشرف على إيقاع فعل من الأفعال كان متردّداً بين أن يقع أو لا يقع ، فإذا اجتمعت الأسباب والأوضاع المقتضية وأتممناها بالإرادة والإجماع بحيث لم يبق له إلّا الوقوع والصدور عيّنا له أحد الجانبين ، فتعيّن له الوقوع .
وكذا يجري نظير الاعتبارين في أعمالنا الوضعية الاعتبارية ، كما إذا تنازع اثنان في عين يدّعيه كلّ منهما لنفسه كان أمر مملوكيّته مردّداً بين أن يكون لهذا أو لذاك ، فإذا رجعا إلى حكم يحكم بينهما فحكم لأحدهما دون الآخر كان فيه فصل الأمر عن الإبهام والتردّد وتعيين أحدالجانبين بقطع رابطته مع الآخر .
ثمّ توسّع فيه ثانياً ، فجعل الفصل والتعيين بحسب القول كالفصل والتعيين بحسب الفعل ، فقول الحكم : إنّ المال لأحد المتنازعين فصل للخصومة وتعيين لأحد الجانبين بعد التردّد بينهما ، وقول المخبر : إن كذا كذا فصل وتعيين ، وهذا المعنى‏ هو الذي نسمّيه القضاء .
ولمّا كانت الحوادث في وجودها وتحقّقها مستندة إليه سبحانه وهي فعله جرى‏ فيها الاعتباران بعينهما ؛ فهي ما لم يُرِد اللَّه تحقّقها ولم يُتِمّ لها العللَ والشرائط الموجبة لوجودها باقية على‏ حال التردّد بين الوقوع واللاوقوع ، فإذا شاء اللَّه وقوعها وأراد تحقّقها فتمّ لها عللها وعامّة شرائطها ولم يبق لها إلّا أن توجد ، كان ذلك تعييناً منه تعالى وفصلا لها من الجانب الآخر وقطعاً للإبهام، ويسمّى‏ قضاء من اللَّه.


ميزان الحکمه المجلد السابع
316

يجوز أن يكون تعبّدنا بالصلاة لأ نّها تقرّبنا من طاعته وتبعّدنا عن معصيته ، وتكون العبادة بها لطفاً لكافّة المتعبّدين بها أو لبعضهم .
فلمّا خفيت هذه الوجوه وكانت مستورة عنّا ولم يقع دليل علَى التفصيل فيها - وإن كان العلم بأ نَّها حكمة في الجملة - كان النهي عن الكلام في معنى‏ القضاء والقدر إنّما هو عن طلب علل لها مفصَّلة فلم يكن نهياً عن الكلام في معنَى القضاء والقدر.
هذا إن سلمت الأخبار التي رواها أبو جعفر رحمه اللَّه ، فأمّا إن بطلت أو اختلّ سندها فقد سقط عنّا عهدة الكلام فيها . والحديث الذي رواه عن زرارة حديث صحيح من بين ما روى‏ ، والمعنى‏ فيه ظاهر ليس به علَى العقلاء خفاء ، وهو مؤيّد للقول بالعدل ، ألا ترى‏ إلى‏ ما رواه عن أبي عبداللَّه عليه السلام من قوله : إذا حَشَرَ اللَّهُ تعالى‏ الخَلائقَ سَألَهُم عَمّا عَهِدَ إلَيهِم ولم يَسألْهم عَمّا قَضى‏ علَيهِم .
وقد نطق القرآن بأنّ الخلق مسؤولون عن أعمالهم» انتهى كلامه‏۱ رحمه اللَّه .
وأقول‏۲ : من تفكّر في الشبهة الواردة علَى اختيار العباد وفروع مسألة الجبر والاختيار والقضاء والقدر علم سرّ نهي المعصوم عن التفكّر فيها ، فإنّه قلّ من أمعن النّظر فيها ولم يزلّ قدمه إلّا من عصمه اللَّه بفضله.۳

كلامٌ في القضاءِ في فصولٍ :

1 - في تحصيل معناه وتحديده : إنّا نجد الحوادث الخارجيّة والاُمور الكونيّة - بالقياس إلى‏ عللها والأسباب المقتضية لها - على‏ إحدى حالتين ، فإنّها قبل أن تتمّ عللها الموجبة لها والشرائط وارتفاع الموانع التي يتوقّف عليها حدوثها وتحقّقها لا يتعيّن لها التحقّق والثبوت ولا عدمه ، بل يتردّد أمرها بين أن تتحقّق وأن لا تتحقّق من رأس .

1.أي كلام الشيخ المفيد رحمة اللَّه .

2.القائل المجلسيّ رحمة اللَّه .

3.بحار الأنوار : ۵/۹۷/۲۲ - ۲۴ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 240499
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي