319
ميزان الحکمه المجلد السابع

كان له الإمكان سواء أخذ في نفسه ولم ينسب إلى‏ شي‏ء كالماهيّة الممكنة في ذاتها أو نسب إلى‏ بعض أجزاء علّته التامّة، فإنّه لو أوجب ضرورته ووجوبه كان علّة له تامّة، والمفروض خلافه .
ولمّا كانت الضرورة هي تعيّن أحد الطرفين وخروج الشي‏ء عن الإبهام، كانت الضرورة المنبسطة على‏ سِلسِلة الممكنات من حيث انتسابها إلَى الواجب تعالى‏ الموجب لكلّ منها في ظرفه الذي يخصّه قضاء عامّاً منه تعالى‏ كما أنّ الضرورة الخاصّة بكلّ واحد منها قضاء خاصّ به منه ، إذا لا نعني بالقضاء إلّا فصل الأمر وتعيينه عن الإبهام والتردّد .
ومن هنا يظهر أنّ القضاء من صفاته الفعليّة ، وهو مُنتزَع من الفعل من جهة نسبته إلى‏ علّته التامّة الموجبة له .
3 - والروايات في تأييد ما تقدّم كثيرة جدّاً : ففي المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عُمير عن هِشام بن سالم قال : قالَ أبو عبداللَّه عليه السلام : إنّ اللَّهَ إذا أرادَ شيئاً قَدَّرَهُ ، فإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، فإذا قَضاهُ أمضاهُ .
وفيه عن أبيهِ عن ابنِ أبي عُمَيرٍ عن محمّدِ بنِ إسحاقَ قالَ : قالَ أبو الحسنِ عليه السلام لِيُونُسَ مَولى‏ عليِّ بنِ يَقطينٍ : يا يُونسُ ، لا تَتَكلَّمْ بالقَدَرِ . قالَ : إنّي لا أتَكَلَّمُ بالقَدَرِ ، ولكنْ أقولُ : لا يكونُ إلّا ما أرادَ اللَّهُ وشاءَ وقَضى‏ وقَدَّرَ ، فقالَ : ليسَ هكذا أقولُ ، ولكنْ أقولُ : لا يكونُ إلّا ما شاءَ اللَّهُ وأرادَ وقَدَّرَ وقَضى‏ . ثُمّ قالَ : أتَدري ما المَشيّةُ ؟ فقالَ : لا ، فقالَ : هَمُّهُ بالشَّي‏ءِ ، أوَتَدري ما أرادَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : إتمامُهُ علَى المَشيَّةِ ، فقالَ : أوَتَدري ما قَدَّرَ ؟ قالَ : لا ، قالَ : هُو الهَندَسَةُ مِن الطُّولِ والعَرضِ والبَقاءِ . ثُمّ قالَ : إنَّ اللَّهَ إذا شاءَ شَيئاً أرادَهُ ، وإذا أرادَ قَدَّرَهُ ، وإذا قَدَّرَهُ قَضاهُ ، وإذا قَضاهُ أمضاهُ ، الحديث .


ميزان الحکمه المجلد السابع
318

ونظير الاعتبارين جارٍ في مرحلة التشريع وحكمه القاطع بأمر وفصله القول فيه قضاء منه .
وعلى‏ ذلك جرى‏ كلامه تعالى‏ فيما أشار فيه إلى‏ هذه الحقيقة ، قال تعالى‏ : (وإذا قَضى‏ أمراً فإنَّما يَقولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)۱ ، وقال : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ في يَومَيْنِ)۲ ، وقال : (قُضِيَ الأَمرُ الّذي فيهِ تَسْتَفْتِيانِ)۳ ، وقال : (وقَضَيْنا إلى‏ بَني إسْرائيلَ في الكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرضِ مَرَّتَيْنِ)۴ إلى‏ غير ذلك من الآيات المتعرّضة للقضاء التكوينيّ .
ومن الآيات المتعرّضة للقضاء التشريعيّ قوله : (وقَضى‏ رَبُّكَ أ لّا تَعْبُدُوا إلّا إيّاهُ وبِالوالِدَينِ إحْساناً)۵ وقوله : (إنَّ ربَّكَ يَقضي بَينَهُم يَومَ القِيامَةِ فيما كانُوا فيهِ يَختَلِفونَ)۶ ، وقوله : (وقُضِيَ بَينَهُم بالحَقِّ وقيلَ الحَمدُ للَّهِ‏ِ رَبِّ العالَمينَ)۷ ، وما في الآية وما قبلها من القضاء بمعنى‏ فصل الخصومة تشريعيّ بوجه وتكوينيّ بآخر .
فالآيات الكريمة - كما ترى‏ - تُمضي صحّة هذين الاعتبارين العقلييّن في الأشياء الكونيّة من جهة أنّها أفعاله تعالى‏، وكذا في التشريع الإلهيّ من جهة أ نّه فعله التشريعيّ ، وكذا فيما يُنسَب إليه تعالى‏ من الحكم الفصل . وربّما عبّر عنه بالحكم والقول بعناية اُخرى ، قال تعالى‏ : (ألا لهُ الحُكْمُ)۸ ، وقال : (واللَّهُ يَحكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ)۹، وقال : (ما يُبَدَّلُ القَولُ لَدَيَّ)۱۰ ، وقال : (والحَقَّ أقولُ)۱۱ .
2 - نظرة فلسفيّة في معنَى القضاء
لا ريب أنّ قانون العلّيّة والمعلوليّة ثابت ، وأنّ الموجود الممكن معلول له سبحانه إمّا بلا واسطة [أو ]معها ، وأنّ المعلول إذا نسب إلى‏ علّته التامّة كان له منها الضرورة والوجوب ، إذ ما لم يجب لم يوجد ، وإذا لم ينسب إليها

1.البقرة : ۱۱۷ .

2.فصّلت : ۱۲ .

3.يوسف : ۴۱ .

4.الإسراء : ۴ .

5.الإسراء : ۲۳ .

6.يونس : ۹۳ .

7.الزمر : ۷۵ .

8.الأنعام : ۶۲ .

9.الرعد : ۴۱ .

10.ق : ۲۹ .

11.ص : ۸۴ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 237475
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي