349
ميزان الحکمه المجلد السابع

فهذا - على ما يظهر - هو السبب في إسنادهم الإدراك والشعور وما لا يخلو عن شوب إدراك مثل الحبّ والبغض والرجاء والخوف والقصد والحسد والعفّة والشجاعة والجرأة ونحو ذلك إلَى القلب ، ومرادهم به الروح المتعلّقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته ، فينسبونها إليه كما ينسبونها إلَى الروح وكما ينسبونها إلى‏ أنفسهم ، يقال : أحببته وأحبّته روحي وأحبّته نفسي وأحبّه قلبي . ثمّ استقرّ التجوُّز في الاستعمال فاُطلق القلب واُريد به النفس مجازاً ، كما ربّما تعدّوا عنه إلَى الصدر فجعلوه لاشتماله علَى القلب مكاناً لأنحاء الإدراك والأفعال والصفات الروحيّة .
وفي القرآن شي‏ءٌ كثيرٌ من هذا الباب ، قال تعالى : (يَشْرَحْ صَدرَهُ للإِسلامِ)۱ ، وقال تعالى‏ : (إنّكَ يَضيقُ صَدرُكَ)۲ ، وقال تعالى‏ : (وبَلَغَتِ القُلوبُ الحَناجِرَ)۳ ، وهو كنايةٌ عن ضيق الصدرِ ، وقال تعالى‏ : (إنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)۴. وليس من البعيد أن تكون هذه الإطلاقات في كتابه تعالى‏ إشارةً إلى‏ تحقيق هذا النظر وإن لم يتّضح كلّ الاتّضاح بعد .
وقد رجّح الشيخ أبو عليّ بن سينا كون الإدراك للقلب بمعنى‏ أنّ دخالة الدِّماغ فيه دخالة الآلة ، فللقلب الإدراك وللدماغ الوساطة .۵

(انظر) بحار الأنوار : 70 / 34 تحت عنوان «تبيين» .
المحجّة البيضاء : 5 / 4 «بيان معنَى النفس والروح والعقل والقلب وما هو المراد بهذه الأسامي».

3326 - مَنزِلَةُ القَلبِ مِنَ الجَسَدِ

۱۷۰۲۸.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : إذا طابَ قلبُ المَرءِ طابَ جَسَدُهُ ، وإذا خَبُثَ القلبُ خَبُثَ الجَسَدُ .۶

۱۷۰۲۹.عنه صلى اللَّه عليه وآله : في الإنسانِ مُضغَةٌ ، إذا هي سَلِمَت وصَحَّت سَلِمَ بها سائرُ الجَسَدِ، فإذا سَقِمَت سَقِمَ بها سائرُ الجَسَدِ

1.الأنعام : ۱۲۵ .

2.الحِجر : ۹۷ .

3.الأحزاب : ۱۰ .

4.المائدة : ۷ .

5.الميزان في تفسير القرآن : ۲/۲۲۳ .

6.كنز العمّال : ۱۲۲۲ .


ميزان الحکمه المجلد السابع
348

عليها بحركة القلب ونبضانه باقيةٌ بخلاف القلب - قطع على‏ أنّ مبدأ الحياة هو القلب ، أي أنّ الروح التي يعتقدها في الحيوان أوّل تعلُّقها بالقلب وإن سرت منه إلى‏ جميع أعضاء الحياة ، وأنّ الآثار والخواصّ الروحيّة كالإحساسات الوجدانيّة مثل الشعور والإرادة والحبّ والبغض والرجاء والخوف وأمثال ذلك كلُّها للقلب بعناية أ نّه أوّل متعلّقٍ للروح ، وهذا لا ينافي كون كلِّ عضوٍ من الأعضاء مَبدءً لفعله الذي يختصُّ به كالدِّماغ للفكر والعين للإبصار والسمع للوعي والرِّئة للتنفّس ونحو ذلك ، فإنّها جميعاً بمنزلة الآلات التي يفعل بها الأفعال المحتاجة إلى‏ توسيط الآلة.
وربّما يؤيِّد هذا النظر ما وجده التجارب العلميّة أنّ الطيور لا تموت بفقد الدِّماغ إلّا أ نّها تفقد الإدراك ولا تشعر بشي‏ءٍ ، وتبقى‏ على‏ تلك الحال حتّى‏ تموت بفقد المواد الغذائيّة ووقوف القلب عن ضَرَبانه .
وربّما أيّده أيضاً أنّ الأبحاث العلميّة الطبيعيّة لم توفّق حتَّى اليوم لتشخيص المصدر الذي يصدر عنه الأحكام البدنيّة ، أعني عرش الأوامر التي يمتثلها الأعضاء الفعّالة في البدن الإنسانيّ ، إذ لا ريب أ نّها في عين التشتّت والتفرُّق من حيث أنفسها وأفعالها مجتمعةٌ تحت لواء واحد منقادة لأمير واحد ، وحدةً حقيقية .
ولا ينبغي أن يُتوهّم أنّ ذلك كان ناشئاً عن الغفلة عن أمر الدماغ وما يخصُّه من الفعل الإدراكيّ ، فإنّ الإنسان قد تنبّه لما عليه الرأس من الأهميّة منذ أقدم الأزمنة ، والشاهد عليه ما نرى‏ في جميع الاُمم والملل علَى اختلاف ألسنتهم من تسمية مبدأ الحكم والأمر بالرأس ، واشتقاق اللغات المختلفة منه ، كالرأس والرئيس والرئاسة ، ورأس الخيط ، ورأس المدّة ، ورأس المسافة ، ورأس الكلام ، ورأس الجبل ، والرأس من الدوابّ والأنعام ، ورئاس السيف .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 207740
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي