لأنَّ كُلَّ شيءٍ مِن جِهَةِ المَعونَةِ مَعصيَةٌ كبيرَةٌ مِن الكبائرِ ، وذلكَ أنّ في ولايةِ الوالي الجائرِ دَوْسَ الحَقِّ كُلِّهِ وإحياءَ الباطِلِ كُلِّهِ وإظهارَ الظُّلمِ والجَورِ والفَسادِ وإبطالَ الكُتبِ وقَتلَ الأنبياءِ والمؤمنينَ وهَدْمَ المَساجِدِ وتَبديلَ سُنَّةِ اللَّهِ وشَرائعِهِ ، فلذلكَ حَرَّمَ العَمَلَ مَعَهُم وَمعونَتَهُم والكَسبَ مَعهُم إلّا بجِهَةِ الضَّرورَةِ نَظيرِ الضَّرورَةِ إلَى الدَّمِ والمِيتَةِ .
وأمّا تفسيرُ التِّجاراتِ في جَميعِ البُيوعِ ووجُوهِ الحَلالِ مِن وَجهِ التِّجاراتِ التي يَجوزُ لِلبائعِ أن يَبيعَ مِمّا لا يَجوزُ لَهُ ، وكذلكَ المُشتَري الذي يَجوزُ لَهُ شِراؤهُ مِمّا لا يَجوزُ لَهُ ، فكُلُّ مَأمورٍ بهِ مِمّا هُو غِذاءٌ للعِبادِ وقِوامُهُم بهِ في اُمورِهِم في وُجوهِ الصَّلاحِ الذي لا يُقيمُهُم غيرُهُ مِمّا يَأكُلُونَ ويَشرَبونَ ويَلبَسونَ ويَنكِحُونَ ويَملِكُونَ ويَستَعمِلونَ مِن جِهَةِ مِلكِهِم ، ويَجوزُ لَهُم الاستِعمالُ لَهُ مِن جَميعِ جِهاتِ المَنافِعِ التي لا يُقيمُهُم غيرُها مِن كلِّ شيءٍ يكونُ لَهُم فيهِ الصَّلاحُ مِن جِهَةٍ مِن الجِهاتِ ، فهذا كُلُّهُ حَلالٌ بَيعُهُ وشِراؤهُ وإمساكُهُ واستِعمالُه وهِبَتُهُ وعاريَتُهُ .
وأمّا وُجوهُ الحَرامِ مِن البَيعِ والشِّراءِ فكُلُّ أمرٍ يكونُ فيهِ الفَسادُ مِمّا هُو مَنهيٌّ عَنهُ مِن جِهَةِ أكلِهِ وشُربِهِ أو كَسبِهِ أو نِكاحِهِ أو مِلكِهِ أو إمساكِهِ أو هِبَتِهِ أو عاريتِهِ ، أو شيءٍ يكونُ فيهِ وَجهٌ مِن وُجوهِ الفَسادِ نَظيرُ البَيعِ بالرِّبا لِما في ذلكَ مِن الفَسادِ ، أو البَيعِ لِلمِيتةِ أو الدَّمِ أو لَحمِ الخِنزيرِ أو لُحومِ السِّباعِ مِن صُنوفِ سِباعِ الوَحشِ أوِ الطِّيرِ أو جُلودِها أو الخَمرِ أو شيءٍ مِن وُجوهِ النَّجسِ ، فهذا كُلُّهُ حَرامٌ ومُحرَّمٌ ؛ لأنّ ذلكَ كُلَّهُ مَنهيٌّ عن أكلِهِ وشُربِهِ ولُبسِهِ ومِلكِهِ وإمساكِهِ والتَّقلُّبِ فيهِ بوَجهٍ مِن الوُجوهِ لِما فيه مِن الفَسادِ ، فجَميعُ تَقَلُّبِهِ في ذلكَ حَرامٌ .
وكذلكَ كلُّ بَيعٍ مَلْهوٍّ بهِ وكُلُّ مَنهيٍّ عَنهُ مِمّا يُتَقرَّبُ بهِ لغيرِ اللَّهِ أو يَقوى بهِ الكُفرُ والشِّركُ مِن جَميعِ وُجوهِ