9
ميزان الحکمه المجلد السابع

3099 - الفَألُ‏

۱۵۶۹۴.رسولُ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله : نِعمَ الشي‏ءُ الفَألُ؛ الكَلِمَةُ الحَسَنةُ يَسمَعُها أحَدُكُم .۱

۱۵۶۹۵.عنه صلى اللَّه عليه وآله : لاطِيَرَةَ، وخَيرُها الفَألُ؛ الكَلِمَةُ الصالِحَةُ يَسمَعُها أحَدُكُم .۲

۱۵۶۹۶.عنه صلى اللَّه عليه وآله : لا عَدوى‏ ولا طِيَرَةَ، ويُعجِبُنِي الفَألُ الصالِحُ ، والفَألُ الصالِحُ : الكَلِمَةُ الحَسَنةُ .۳

۱۵۶۹۷.صحيح مسلم عن أبي هريرة : سمعت النبيّ صلى اللَّه عليه وآله يقول : لاطِيَرةَ ، وخَيرُها الفَألُ . قيلَ : يارسولَ اللَّهِ ، وما الفَألُ ؟ قالَ : الكَلِمَةُ الصالِحَةُ يَسمَعُها أحَدُكُم .۴

۱۵۶۹۸.الإمامُ عليٌّ عليه السلام : تَفَأّلْ بالخَيرِ تَنجَحْ .۵

۱۵۶۹۹.عنه عليه السلام : العَينُ حَقٌّ ، والرُّقى‏ حَقٌّ، والسِّحرُ حَقٌّ ، والفَألُ حَقٌّ ، والطِّيَرَةُ ليسَت بحَقٍّ ، والعَدوى‏ ليسَت بِحَقٍ‏۶ .۷

1.كنز العمّال : ۲۸۵۹۳ .

2.كنز العمّال : ۲۸۵۹۰ .

3.كنز العمّال : ۲۸۵۹۷.

4.صحيح مسلم : ۴/۱۷۴۵/۲۲۲۳.

5.غرر الحكم : ۴۴۶۶ .

6.نهج البلاغة : الحكمة ۴۰۰ .

7.قال العلّامة الطباطبائيُّ قدّس سرّه تحت عنوان «كلام في سعادة الأيّام ونُحوستها والطِّيرة والفأل» في فصول : ۱ - في سعادة الأيّام ونحوستها : نحوسة اليوم أو أيِّ مقدار من الزمان أن لايُعقِب الحوادثُ الواقعة فيه إلّا الشرَّ ولايكون الأعمال أو نوع خاصٌّ من الأعمال فيه مباركة لعاملها ، وسعادته خلافه . ولا سبيل لنا إلى‏ إقامة البرهان على‏ سعادة يوم من الأيّام أو زمان من الأزمنة ولا نُحوسته ، وطبيعة الزمان المقداريَّة متشابهة الأجزاءِ والأبعاض ، ولا إحاطة لنا بالعلل والأسباب الفاعلة المؤثِّرة في حدوث الحوادث وكينونة الأعمال حتّى‏ يظهر لنا دَوَران اليوم أو القِطعة من الزمان من علل وأسباب تقتضي سعادته أو نُحوسته ، ولذلك كانت التجربة الكافية غير متأتِّية لتوقُّفها على‏ تجرُّد الموضوع لأثره حتّى‏ يُعلم أنَّ الأثر أثره ، وهو غير معلوم في المقام . ولما مرَّ بعينه لم يكن لنا سبيل إلى‏ إقامة البرهان على‏ نفي السعادة والنُّحوسة كما لم يكن سبيل إلَى الإثبات وإن كان الثبوت بعيداً ؛ فالبُعد غير الاستحالة . هذا بحسب النَّظر العقليّ . وأمّا بحسب النَّظر الشرعيِّ ففي الكتاب ذكر من النُّحوسة وما يقابلها ، قال تعالى‏: (إنّا أرْسَلنْا علَيهِم رِيحاً صَرْصَراً في يَومِ نَحسٍ مُسْتَمِرٍّ) القمر: ۱۹ . وقال : (فَأرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيْحاً صَرْصَراً في أيّامٍ نَحِساتٍ) فصّلت: ۱۶ . لكن لا يظهر من سياق القصّة ودلالة الآيتَين أزيدُ من كون النُّحوسة والشُّؤم خاصّة بنفس الزمان الذي كانت تهبُّ عليهم فيه الريح عذاباً وهو سبع ليال وثمانية أيّام متوالية يستمرُّ عليهم فيها العذاب ، من غير أن تدور بدَوَران الأسابيع وهو ظاهر وإلّا كان جميع الزمان نحساً، ولا بدوران الشهور والسِّنين . وقال تعالى‏ : (والكِتابِ المُبِينِ * إنّا أنزَلْناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ) الدخان : ۲ و ۳ . والمراد بها ليلة القدر التي يصفها اللَّه تعالى‏ بقوله : (لَيلَةُ القَدرِ خَيرٌ مِن ألفِ شَهرٍ) القدر : ۳ . وظاهر أنَّ مباركة هذه الليلة وسعادتها إنّما هي بمقارنتها نوعاً من المقارنة لاُمورٍ عِظام من الإفاضات الباطنيَّة الإلهيّة وأفاعيل معنويَّة ، كإبرام القضاء ونزول الملائكة والروح وكونها سلاماً ، قال تعالى‏ : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمرٍ حَكيمٍ) الدخان :۴ . وقال : (تَنَزَّلُ المَلائكةُ والرُّوحُ فيها بِإذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حتّى‏ مَطلَعِ الفَجرِ) . القدر : ۴ و ۵ . ويؤول معنى‏ مباركتها وسعادتها إلى‏ فضل العبادة والنُّسك فيها ، وغزارة ثوابها ، وقرب العناية الإلهيّة فيها من المتوجِّهين إلى‏ ساحة العزِّة والكبرياء . وأمّا السُّنَّة فهناك روايات كثيرة جدّاً في السعد والنحس من أيّام الاسبوع ومن أيّام الشهور العربيّة ومن أيّام شهور الفرس ومن أيّام الشهور الروميّة ، وهي روايات بالغة في الكثرة مودعة في جوامع الحديث أكثرها ضعاف من مراسيل ومرفوعات وإن كان فيها ما لا يخلو من اعتبار من حيث أسنادها . أمّا الروايات العادّة للأيّام النَّحِسة كيوم الأربعاء ، والأربعاء لاتدور، وسبعة أيّام من كلِّ شهر عربيٍّ ، ويومين من كلِّ شهر روميٍّ ، ونحو ذلك ، ففي كثير منها وخاصّة فيما يتعرَّض لنحوسة أيّام الاُسبوع وأيّام الشهور العربيّة تعليل نحوسة اليوم بوقوع حوادث مُرَّة غير مطلوبة بحسب المَذاق الدينيِّ، كرحلة النبيِّ صلى اللَّه عليه وآله وشهادة الحسين عليه السلام وإلقاء إبراهيم عليه السلام في النار ونزول العذاب باُمّة كذا وخلق النار وغير ذلك . ومعلوم أنَّ في عدِّها نحسة مشومة وتجنُّب اقتراب الاُمور المطلوبة وطلب الحوائج التي يلتذُّ الإنسان بالحصول عليها فيها تحكيماً للتقوى‏ وتقوية للروح الدينيَّة ، وفي عدم الاعتناء والاهتمام بها والاسترسال في الاشتغال بالسَّعي في كلِّ ما تهواه النفس في أيِّ وقت كان إضراباً عن الحقِّ وهتكاً لحرمة الدين وإزراء لأوليائه ، فتؤول نحوسة هذه الأيّام إلى‏ جهات من الشقاء المعنويِّ منبعثة عن علل وأسباب اعتباريّة مرتبطة نوعاً من الارتباط بهذه الأيّام تفيد نوعاً من الشقاء الدينيِّ على‏ من لايعتني بأمرها . وأيضاً قد ورد في عدَّة من هذه الروايات الاعتصام باللَّه بصدقة أو صوم أو دعاء أو قراءة شي‏ء من القرآن أو غير ذلك لدفع نحوسة هذه الأيّام ، كما عن مجالس ابن الشيخ بإسناده عن سهل بن يعقوب الملقَّب بأبي نواس عن العسكريِّ عليه السلام في حديث : «قلتُ : ياسيّدي ، في أكثرِ هذه الأيّامِ قَواطِعُ عَنِ المَقاصدِ لِما ذُكِرَ فيها مِن النَّحسِ والمَخاوِفِ ، فَتَدُلُّني علَى الاحتِرازِ مِن المَخاوفِ فيها ، فإنّما تَدعُوني الضَّرورَةُ إلَى التَّوَجُّهِ في الحَوائجِ فيها ؟ فقالَ لي : يا سَهلُ ، إنّ لِشِيعَتِنا بوَلايتِنا لَعِصمَةً لو سَلَكوا بها في لُجَّةِ البِحارِ الغامِرَةِ وسَباسِبِ البَيداءِ الغائرةِ بَينَ سِباعٍ وذِئابٍ وأعادِي الجِنِّ والإنسِ لَأمِنُوا مِن مَخاوِفِهم بوَلايَتِهم لنا ، فَثِقْ باللَّهِ عَزَّوجلَّ وأخلِصْ في الوَلاءِ لأئمَّتِكَ الطاهِرينَ وتَوَجَّهْ حَيثُ شِئتَ واقصِدْ ما شِئتَ ...» الحديث . ثمّ أمره عليه السلام بشي‏ء من القرآن والدعاء أن يقرأه ويدفع به النحوسة والشأمة ويقصد ما شاء . وفي الخصال بإسناده عن محمّد بن رياح الفلّاح قال : «رأيتُ أبا إبراهيمَ عليه السلام يَحتَجِمُ يَوم الجُمُعةِ، فقلتُ: جُعِلتُ فداكَ، تَحتَجِمُ يومَ‏الجُمُعةِ؟! قال : أقرَأُ آيَةَ الكُرسيِّ ، فإذا هاجَ بكَ الدمُ ليلاً كانَ أو نهاراً فاقرَأْ آيَةَ الكرسيِّ واحتَجِمْ» . وفي الخصال أيضاً بإسناده عن محمّد بن أحمد الدقّاق قال : «كَتَبتُ إلى‏ أبي الحسنِ الثاني عليه السلام أسألُهُ عنِ الخُروجِ يَومَ الأربعاءِ لاتَدورُ، فكَتبَ عليه السلام : مَن خَرجَ يومَ الأربعاءِ لاتَدورُ خِلافاً على‏ أهلِ الطِّيَرَةِ وُقِيَ مِن كُلِّ آفَةٍ ، وعُوفِيَ مِن كلِّ عاهَةٍ وقَضَى اللَّهُ لَهُ حاجَتَهُ . وكَتَبَ إليهِ مَرَّةً اُخرى‏ يَسألُهُ عَنِ الحِجامَةِ يَومَ الأربَعاءِ لا تَدور ، فَكَتَب عليه السلام : مَنِ احتَجَمَ في يَومِ الأربَعاءِ لا تَدورُ خِلافاً عَلى أهلِ الطّيرةِ عُوفِىَ مِن كُلِّ آفَةٍ ووُقىَ مِن كُلِّ عاهَةٍ وَ لَم تَخضَرَّ مَحاجِمُهُ» . وفي معناها ما في تحف العقول : قال الحسين ابن مسعود : «دَخَلتُ على‏ أبِي الحسنِ عليِّ بنِ محمّدٍ عليه السلام وقد نُكِبَت إصبَعي وتَلقّانِي راكِبٌ وصَدَمَ كتفِي ، ودخلتُ في زَحمَةٍ فَخَرَقُوا عليَّ بعضَ ثيابِي ، فقلتُ : كَفانِي اللَّهُ شَرَّكَ مِن يومٍ فما أيشَمَكَ ! فقال عليه السلام لي : يا حسنُ، هذا وأنتَ تَغشانا تَرمي بذنبِكَ مَن لاذنبَ له ؟! قالَ الحسنُ : فَأثابَ إليَّ عَقلِي وتَبَيَّنتُ خَطاي ، فقلتُ : يامولايَ أستَغفِرُ اللَّهَ ، فقالَ : يا حسنُ ، ما ذَنبُ الأيّامِ حتّى‏ صِرتُم تَتَشاءَمُونَ بها إذا جُوزِيتُم بأعمالِكُم فيها ؟! قال الحسنُ : أنا أستَغفِرُ اللَّهَ أبَداً ، وهي تَوبَتي يابنَ رسولِ اللَّهِ . قالَ : ماينَفَعُكُم ، ولكنَّ اللَّهَ يُعاقِبُكم بذَمِّها على‏ ما لا ذَمَّ علَيها فيهِ ، أما عَلِمتَ ياحسنُ أنَّ اللَّهَ هُو المُثيبُ والمُعاقِبُ والمُجازِي بالأعمالِ عاجِلاً وآجِلاً ؟! قلتُ : بلى‏ يا مولايَ ، قالَ : لاتَعُدَّ ولا تَجعَلْ للأيّامِ صُنعاً في حُكمِ اللَّهِ ، قالَ الحسنُ : بلى‏ يامولايَ» . والروايات السابقة - ولها نظائر في معناها - يستفاد منها أنَّ المِلاك في نحوسة هذه الأيّام النَّحسات هو تطيُّر عامّة الناس بها ، وللتطيُّر تأثير نفسانيّ كما سيأتي ، وهذه الروايات تعالج نحوستها التي تأتيها من قبل الطيرة بصرف النفس عن الطيرة إن قوي الإنسان على‏ ذلك ، وبالالتجاء إلَى اللَّه سبحانه والاعتصام به بقرآن يتلوه أو دعاءٍ يدعو به إن لم يَقوَ عليه بنفسه . وحَمَل بعضُهم هذه الروايات المسلّمة لنحوسة بعض الأيّام علَى التقيَّة ، وليس بذاك البعيد ؛ فإنّ التشاؤم والتفاؤل بالأزمنة والأمكنة والأوضاع والأحوال من خصائص العامّة يوجد منه عندهم شي‏ء كثير عند الاُمم والطوائف المختلفة على‏ تشتُّتهم وتفرُّقهم منذ القديم إلى‏ يومنا ، وكان بين الناس حتّى خواصِّهم في الصدر الأوَّل في ذلك روايات دائرة يُسنِدونها إلَى النبيِّ صلى اللَّه عليه وآله لا يَسَعُ لأحد أن يردَّها كما في كتاب المسلسلات بإسناده عن الفضل بن الربيع قال : «كنتُ يَوماً مَع مَولايَ المأمونِ فَأرَدنا الخُروجَ يومَ الأربعاءِ ، فقالَ المأمونُ : يومٌ مَكروهٌ سَمِعتُ أبي الرشيدَ يقولُ : سَمِعتُ المهديَّ يقولُ : سَمِعتُ المنصورَ يقولُ : سَمِعتُ أبي محمّدَ بنَ عليٍّ يقولُ : سمعتُ أبي عليّاً يقولُ : سمعتُ أبي عبداللَّهِ بنَ عبّاسٍ يقولُ : سَمِعتُ رسولَ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله يقولُ : إنَّ آخِرَ الأربعاءِ في الشَّهرِ يَومُ نحسٍ مُستمِرٍّ» . وأمّا الروايات الدالَّة علَى الأيّام السعيدة من الاسبوع وغيرها فالوجه فيها نظير ما تقدَّمت إليه الإشارة في الأخبار الدالّة على‏ نحوستها من الوجه الأوّل ؛ فإنَّ في هذه الأخبار تعليل بركة ما عدَّه من الأيّام السعيدة بوقوع حوادث متبرّكة عظيمة في نظر الدِّين كولادة النبيِّ صلى اللَّه عليه وآله وبعثته وكما ورد أنّه صلى اللَّه عليه وآله دعا فقال : «اللّهُمَّ بارِكْ لِاُمّتِي في بُكورِها يَومَ سَبتِها وخَميسِها» ، وما ورد أنّ اللَّه ألان الحديد لداود عليه السلام يوم الثلاثاء ، وأنّ النبيَّ صلى اللَّه عليه وآله كان يخرج للسفر يوم الجمعة ، وأنّ الأحد من أسماء اللَّه تعالى‏ . فتبيَّن ممّا تقدَّم على‏ طوله أنّ الأخبار الواردة في سعادة الأيّام ونحوستها لاتدلُّ على‏ أزيد من ابتنائهما على‏ حوادث مرتبطة بالدِّين توجب حُسناً وقُبحاً بحسب الذوق الدينيّ أو بحسب تأثير النفوس . وأمّا اتِّصاف اليوم أو أيّ قطعة من الزمان بصفة المَيمَنة أو المَشأمة واختصاصه بخواصّ تكوينيّة عن علل وأسباب طبيعيّة تكوينيّة فلا ، وما كان من الأخبار ظاهراً في خلاف ذلك فإمّا محمول علَى التقيّة أو لا اعتماد عليه . ۲ - في سعادة الكواكب ونحوستها وتأثير الأوضاع السماويّة في الحوادث الأرضيّة سعادة ونحوسة : الكلام في ذلك من حيث النظر العقليّ كالكلام في سعادة الأيّام ونحوستها ، فلا سبيل إلى‏ إقامة البرهان على‏ شي‏ء من ذلك كسعادة الشمس والمشتري وقِران السَّعدَين ونحوسة المرِّيخ وقِران النَّحسَين والقمر في العَقرب . نعم كان القدماء من منجِّمي الهند يَرَون للحوادث الأرضيّة ارتباطاً بالأوضاع السماويّة مطلقاً أعمَّ من أوضاع الثوابت والسيّارات ، وغيرهم يرى‏ ذلك بين الحوادث وبين أوضاع السيّارات السَّبع دون الثوابت ، وأوردوا لأوضاعها المختلفة خواصَّ وآثاراً تسمّى‏ بأحكام النجوم ، يَرَون عند تحقُّق كلِّ وضع أن يُعقِب وقوع آثاره . والقوم بين قائل بأنَّ الأجرام الكوكبيّة موجودات ذوات نفوس حيّة مُريدة تفعل أفاعيلها بالعلّية الفاعليَّة ، وقائل بأنّها أجرام غير ذات نفس تؤثِّر أثرها بالعلّية الفاعليّة ، أو هي معدّات لفعله تعالى‏ وهو الفاعل للحوادث ، أو أنّ الكواكب وأوضاعها علامات للحوادث من غير فاعليّة ولاإعداد ، أو أنّه لا شي‏ء من هذه الارتباطات بينها وبين الحوادث حتّى‏ على‏ نحو العلاميّة وإنّما جرت عادة اللَّه على‏ أن يُحدث حادثة كذا عند وضع سماويٍّ كذا . وشي‏ء من هذه الأحكام ليس بدائميّ مطَّرد بحيث يلزم حكم كذا وضعاً كذا فربّما تَصدُق وربّما تَكذب ، لكنّ الذي بَلَغنا من عجائب القصص والحكايات في استخراجاتهم يعطي أنّ بين الأوضاع السماويّة والحوادث الأرضيّة ارتباطاً ما ، إلّا أنّه في الجملة لا بالجملة ، كما أنّ بعض الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام يصدِّق ذلك كذلك . وعلى هذا لايمكن الحكم البتِّي بكون كوكب كذا أو وضع كذا سعداً أو نحساً ، وأمّا أصل ارتباط الحوادث والأوضاع السماويّة والأرضيّة بعضها ببعض فليس في وسع الباحث الناقد إنكار ذلك . وأمّا القول بكون الكواكب أو الأوضاع السماويّة ذوات تأثير فيما دونها - سواء قيل بكونها ذوات نفوس ناطقة أو لم يُقَل - فليس ممّا يخالف شيئاً من ضروريّات الدِّين ، إلّا أن يقال بكونها خالقة مُوجِدة لما دونها من غير أن ينتهي ذلك إليه تعالى‏ فيكون شِركاً ، لكنَّه لاقائل به حتّى‏ من وثنيّة الصابئة التي تعبد الكواكب ، أو أن يقال بكونها مدبِّرة للنظام الكونيِّ مستقلّة في التدبير فيكون ربوبيّة تستعقب المعبوديّة ، فيكون شركاً كما عليه الصابئة عبدة الكواكب . وأمّا الروايات الواردة في تأثير النجوم سعداً ونحساً وتصديقاً وتكذيباً فهي كثيرة جدّاً على‏ أقسام : منها : مايدلُّ بظاهره على‏ تسليم السعادة والنحوسة فيها ، كما في الرسالة الذهبيَّة عن الرِّضا عليه السلام : اعلم أنَّ جماعهنَّ والقَمر في برج الحَمَل أو الدَّلو من البروج أفضل ، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر . وفي بحار الأنوار عن النوادر بإسناده عن حُمرانَ عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «مَن سافَرَ أو تَزَوَّجَ والقَمَرُ في العَقرَبِ لَم يَرَ الحُسنى‏ ...» الخبر . وفي كتاب النجوم لابن‏طاووس عن عليٍّ عليه السلام: «يُكرَهُ أن يُسافِرَ الرجُلُ في مَحاقِ الشهرِ ، وإذا كانَ القَمَرُ في العَقرَبِ» . ويمكن حمل أمثال هذه الروايات علَى التقيّة على‏ ماقيل ، أو على‏ مقارنة الطيرة العامّة كما ربّما يشعر به ما في عدّة من الروايات من الأمر بالصدقة لدفع النحوسة ، كما في نوادر الراونديِّ بإسناده عن موسَى بن جعفر عن أبيه عن جدِّه في حديث : «إذا أصبَحتَ فَتَصَدَّقْ بصَدَقةٍ تُذهِب عنكَ نَحسَ ذلكَ اليَومِ ، وإذا أمسَيتَ فَتَصَدَّقْ بصَدَقةٍ تُذهِب عنكَ نَحسَ تلكَ الليلةِ ...» الخبر ، ويمكن أن يكون ذلك لارتباط خاصٍّ بين الوضع السماويِّ والحادثة الأرضيَّة بنحو الاقتِضاء . ومنها : ما يدلُّ على‏ تكذيب تأثيرات النجوم في الحوادث والنهي الشديد عن الاعتقاد بها والاشتغال بعلمها ، كما في نهج البلاغة : «المُنَجِّمُ كالكاهِنِ ، والكاهِنُ كالسّاحِرِ ، والسّاحِرُ كالكافِرِ ، والكافِرُ في النارِ» . ويظهر من أخبار اُخرُ تُصدِّقها وتُجوِّزُ النظرَ فيها أنَّ النهي عن الاشتغال بها والبناء عليها إنّما هو فيما اعتقد لها استقلال في التأثير لتأديته إلَى الشِّرك كما تقدَّم . ومنها : ما يدلُّ على‏ كونه حقّاً في نفسه غير أنّ قليله لا يَنفعُ وكثيره لا يُدرَك ، كما في الكافي بإسناده عن عبدالرحمن بن سيّابة قال : «قلتُ لأبي عبدِاللَّهِ عليه السلام : جُعِلتُ فِداكَ ، إنّ الناسَ يقولونَ : إنّ النُّجومَ لايَحِلُّ النَّظرُ فيها وهو يُعجِبُني ، فإن كانَت تُضِرُّ بِدِينِي فلا حاجَةَ لي في شي‏ءٍ يُضِرُّ بدِيني ، وإن كانَت لاتُضِرُّ بدِينِي فوَاللَّهِ إنّي لَأشتَهيها وأشتَهِي النَّظَرَ فيها ، فقالَ : ليسَ كما يقولونَ لا يُضِرُّ بدِينِكَ ، ثُمّ قالَ : إنّكُم تَنظُرُونَ في شي‏ءٍ مِنها كثيرُهُ لايُدرَكُ وقَليلُهُ لايُنتَفَعُ به ...» الخبر . وفي بحار الأنوار عن كتاب النجوم لابن طاووس عن معاوية بن حكيم عن محمّد بن زياد عن محمّد بن يحيى الخثعميِّ قال : «سألتُ أبا عبدِاللَّهِ عليه السلام عنِ النُّجومِ : حَقٌّ هي ؟ قالَ لي : نَعَم، فقلتُ لَهُ : وفي الأرضِ مَن يَعلَمُها ؟ قالَ : نَعَم وفي الأرضِ مَن يَعلَمُها» وفي عدَّة من الروايات : «ما يَعلَمُها إلّا أهلُ بيتٍ مِن الهندِ وأهلُ بيتٍ من العَرَبِ» ، وفي بعضها : «من قريشٍ» . وهذه الروايات تؤيِّد ما قدَّمناه من أنَّ بين الأوضاع والأحكام ارتباطاً ما في الجملة . نعم ورد في بعض هذه الروايات أنّ اللَّه أنزل المُشتري علَى الأرض في صورة رجل ، فلقي رجلا من العجم فعلَّمه النجوم حتّى ظنَّ أنّه بلغ ، ثمّ قال له : انظر أين المشتري ؟ فقال : ما أراه في الفلك وما أدري أين هو ؟ فنحّاه وأخذ بيد رجل من الهند فعلَّمه حتّى‏ ظنَّ أنّه قد بلغ ، وقال : انظر إلَى المشتري أين هو ؟ فقال : إنّ حسابي ليدلُّ على‏ أنّك أنت المشتري ، قال : فشهق شهقة فمات ، وورث علمه أهله فالعلم هناك ... الخبر . وهو أشبه بالموضوع . ۳ - في التفاؤل والتَّطيُّر وهما الاستدلال بحادث من الحوادث علَى الخير وترقُّبه وهو التفاؤل ، أو علَى الشَّرِّ وهو التطيُّر ، وكثيراً ما يؤثِّران ويقع ما يترقَّب منهما من خير أو شرٍّ وخاصَّة في الشرِّ ، وذلك تأثير نفسانيٌّ . وقد فرَّق الإسلام بين التفاؤل والتطيُّر ، فأمر بالتفاؤل ونهى عن التطيُّر ، وفي ذلك تصديق لكون ما فيهما من التأثير تأثيراً نفسانيّاً . أمّا التفاؤل ففيما روي عن النبيِّ صلى اللَّه عليه وآله: «تَفاءَلُوا بالخَيرِ تَجِدُوهُ» ، وكان صلى اللَّه عليه وآله كثير التفاؤل ؛ نقل عنه ذلك في كثير من مواقفه . كما ورد في قصّة الحديبية : جاء سهيل بن عمرو فقال صلى اللَّه عليه وآله : قد سهّل عليكم أمركم . وكما في قصّة كتابه الى‏ خسرو برويز يدعوه إلى الإسلام، فمزّق كتابه وأرسل إليه قبضة من تراب، فتفاءل صلى اللَّه عليه وآله منه أنّ المؤمنين سيملكون أرضهم . (كما في هامش المصدر) . وأما التطيُّر فقد ورد في مواضع من الكتاب نقله عن اُمم الأنبياء في دعواتهم لهم ؛ حيث كانوا يظهرون لأنبيائهم أنّهم اطَّيَّروا بهم فلا يؤمنون ، وأجاب عن ذلك أنبياؤهم بما حاصله : أنَّ التطيُّر لايقلِب الحقَّ باطلاً ولا الباطل حقّاً ، وأنّ الأمر إلَى اللَّه سبحانه لا إلَى الطائر الذي لايملك لنفسه شيئاً ، فضلاً عن أن يملك لغيره الخير والشرَّ والسعادة والشقاء ، قال تعالى‏: (قالوا إنَّا تَطَيَّرْنا بكُم لَئنْ لَم تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُم ولَيَمَسَّنَّكُم‏مِنّا عَذابٌ‏أليمٌ*قالوا طائرُكم مَعَكُم) يس: ۱۸، ۱۹. أي ما يجرُّ إليكم الشرَّ هو معكم لا معنا ، وقال : (قالوا اطَّيَّرنا بكَ وبمَنْ مَعكَ قالَ طائرُكُم عِندَ اللَّهِ) النمل : ۴۷ . أي الذي يأتيكم به الخير أو الشرُّ عنداللَّه ، فهو الذي يقدِّر فيكم ما يقدِّر لا أنا ومن معي ؛ فليس لنا من الأمر شي‏ء . وقد وردت أخبار كثيرة في النهي عن الطِّيرة وفي دفع شؤمها بعدم الاعتناء أو بالتوكُّل والدعاء ، وهي تؤيِّد ما قدَّمناه من أنَّ تأثيرها من التأثيرات النفسانيّة ، ففي الكافي بإسناده عن عمرو بن حُرَيث قال : قال أبو عبداللَّه عليه السلام : «الطِّيَرَةُ على‏ ما تَجعَلُها إن هَوَّنتَها تَهَوَّنَت ، وإن شَدَّدتَها تَشَدَّدَت ، وإن لم تَجعَلْها شَيئاً لم تَكُن شيئاً» . ودلالة الحديث على‏ كون تأثيرها من التأثيرات النفسانيّة ظاهرة ، ومثله الحديث المَرويُّ من طرق أهل السُّنَّة : «ثلاثٌ لايَسلَمُ مِنها أحَدٌ : الطِّيرَةُ والحَسَدُ والظَّنُّ . قيل : فما نَصنَعُ ؟ قالَ : إذا تَطَيَّرتَ فَامضِ ، وإذا حَسَدتَ فلا تَبغِ ، وإذا ظَنَنتَ فلا تُحَقِّقْ» . وفي معناه ما في الكافي عن القمّيِّ عن أبيه عن النوفليِّ عن السَّكونيِّ عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : «قالَ رسولُ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : كَفّارَةُ الطِّيرَةِ التَّوكُّلُ ...» الخبر . وذلك أنّ في التوكُّل إرجاع أمر التأثير إلَى اللَّه تعالى‏ ، فلا يبقى‏ للشي‏ء أثر حتّى‏ يتضرَّر به . وفي معناه ما ورد من طرق أهل السُّنَّة على ما في نهاية ابن الأثير : «الطِّيرَةُ شِركٌ وما مِنّا إلّا ، ولكنّ اللَّهَ يُذهِبُهُ بِالتوكُّلِ» . وفي المعنَى السابق ما روي عن موسَى بن جعفر عليه السلام أنّه قال : «الشُّؤمُ للمُسافِرِ في طريقِهِ سَبعَةُ أشياءَ : الغُرابُ الناعِقُ عن يَمينِهِ ، والكلبُ الناشِرُ لذنبِهِ ، والذئبُ العاوِي الذي يَعوِي في وَجهِ الرَّجلِ وهُو مُقْعٍ على‏ ذَنَبِهِ ثُمّ يَرتَفِعُ ثُمّ يَنخَفِضُ ثلاثاً ، والظَّبيُ السانِحُ عن يمينٍ إلى‏ شمالٍ ، والبُومَةُ الصارِخَةُ ، والمرأةُ الشَّمطاءُ تَلقى‏ فَرجَها ، والأتانُ العَضبانُ - يَعني الجَدعاءَ - فمَن أوجَسَ في نفسِهِ مِنهُنَّ شيئاً فليَقُلْ : اعتَصَمتُ بكَ ياربِّ مِن شَرِّ ما أجِدُ في نفسِي ، فَيُعصَمُ مِن ذلكَ» . ويلحق بهذا البحث الكلاميِّ في نُحوسة سائر الاُمور المعدودة عند العامّة مشؤومة نَحسة كالعِطاس مرّة واحدة عند العزم على أمر وغير ذلك ، وقد وردت في النهي عن التطيُّر بها والتوكُّل عند ذلك روايات في أبواب متفرّقة ، وفي النبويِّ المرويِّ من طرق الفريقَين : «لا عَدوى‏ ، ولاطِيَرَةَ ، ولا هامةَ ، ولا شُؤمَ ، ولا صفرَ ، ولا رضاعَ بعدَ فِصالٍ ، ولا تَعَرُّبَ بعد هِجرَةٍ ، ولا صَمتٌ يَوماً إلَى الليلِ ، ولا طَلاقَ قبلَ نِكاحٍ ، ولا عِتقَ قبلَ مِلكٍ ، ولا يُتمَ بعدَ إدراكٍ» . (الميزان في تفسير القرآن : ۱۹/۷۱ - ۷۹).


ميزان الحکمه المجلد السابع
8
  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد السابع
    تعداد جلد :
    10
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
عدد المشاهدين : 237460
الصفحه من 640
طباعه  ارسل الي