133
ميزان الحکمه المجلد الثامن

تفارق مادّتها فتبقى‏ المادّة مع صورة مادّيّة ، كالحيوان يموت فيصير جسداً لا حراك به .
ثمّ إنّ الصّورة الحيوانيّة مبدأ لأفعال إدراكيّة تصدر عنها ، وأحوال علميّة تترتّب عليها ، تنتقش النّفس بكلّ واحد من تلك الأحوال بصدورها منها ، ولا يزال نقش عن نقش ، وإذا تراكمت من هذه النقوش ما هي متشاكلة متشابهة تحصّل نقش واحد وصار صورة ثابتة غير قابلة للزّوال وملكة راسخة . وهذه صورة نفسانيّة جديدة يمكن أن يتنوّع بها نفس حيوانيّ فتصير حيواناً خاصّاً ذا صورة خاصّة منوّعة كصورة المكر والحقد والشهوة والوفاء والافتراس وغير ذلك . وإذا لم تحصل ملكة بقي النّفس على‏ مرتبتها السّاذجة السّابقة ، كالنّبات إذا وقفت عن حركتها الجوهريّة بقي نباتاً ولم يخرج إلَى الفعليّة الحيوانيّة . ولو أنّ النّفس البرزخيّة تتكامل من جهة أحوالها وأفعالها بحصول الصورة دفعة لانقطعت علقتها مع البدن في أوّل وجودها ، لكنّها تتكامل بواسطة أفعالها الإدراكيّة المتعلّقة بالمادّة شيئاً فشيئاً حتّى‏ تصير حيواناً خاصّاً إن عمّر العمر الطبيعيّ أو قدراً معتدّاً به ، وإن حال بينه وبين استتمام العمر الطبيعيّ أو القدر المعتدّ به مانع كالموت الاختراميّ بقي على‏ ما كان عليه من سذاجة الحيوانيّة .
ثمّ إنّ الحيوان إذا وقعت في صراط الإنسانيّة - وهي الوجود الّذي يعقل ذاته تعقّلاً كلّياً مجرّداً عن المادّة ولوازمها من المقادير والألوان وغيرهما - خرج بالحركة الجوهريّة من فعليّة المثال الّتي هي قوّة العقل إلى‏ فعليّة التجرّد العقليّ، وتحقّقت له صورة الإنسان بالفعل ، ومن المحال أن تعود هذه الفعليّة إلى‏ قوّتها الّتي هي التجرّد المثاليّ على‏ حدّ ما ذكر في الحيوان .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
132

على‏ تأويل الآيات الظاهرة في وقوع الإعجاز وصرفها عن ظواهرها مادامت الحادثة ممكنةً ، بخلاف المحالات كانقسام الثلاثة بمتساويين وتولّد مولودٍ يكون أباً لنفسه ، فإنّه لا سبيل إلى‏ جوازها.
نعم ، تختصّ بعض المعجزات كإحياء الموتى‏ والمسخ ببحثٍ آخر ، فقد قيل : إنّه قد ثبت في محلّه أنّ الموجود الّذي له قوّة الكمال والفعليّة إذا خرج من القوّة إلَى الفعل فإنّه يستحيل بعد ذلك رجوعه إلَى القوّة ثانياً ، وكذلك كلُّ ما هو أكمل وجوداً فإنّه لايرجع في سيره الاستكماليّ إلى‏ ما هو أنقص وجوداً منه من حيث هو كذلك . والإنسان بموته يتجرّد بنفسه عن المادّة فيعود موجوداً مجرّداً مثاليّاً أو عقليّاً ، وهاتان الرّتبتان فوق مرتبة المادّة ، والوجود فيهما أقوى‏ من الوجود المادّيّ ، فمن المحال أن تتعلّق النّفس بعد موتها بالمادّة ثانياً ، وإلّا لزم رجوع الشي‏ء إلى‏ القوّة بعد خروجه إلَى الفعل وهو محال . وأيضاً : الإنسان أقوى‏ وجوداً من سائر أنواع الحيوان ، فمن المحال أن يعود الإنسان شيئاً من سائر أنواع الحيوان بالمسخ .
أقول : ما ذكره من استحالة رجوع ما بالقوّة بعد خروجه إلَى الفعل إلَى القوّة ثانياً حقّ لا ريب فيه ، لكنّ عَود الميّت إلى‏ حياته الدُّنيا ثانياً في الجملة وكذا المسخ ليسا من مصاديقه . بيان ذلك: أنّ المحصّل من الحسّ والبرهان أنّ الجوهر النباتيّ المادّيّ إذا وقعت في صراط الاستكمال الحيوانيّ فإنّه يتحرّك إلَى الحيوانيّة ، فيتصوّر بالصورة الحيوانيّة وهي صورة مجرّدة بالتجرّد البرزخيّ ، وحقيقتها إدراك الشي‏ء نفسه بإدراك جزئيّ خياليّ ، وهذه الصورة وجود كامل للجوهر النباتيّ وفعليّة لهذه القوّة تلبّس بها بالحركة الجوهريّة ، ومن المحال أن ترجع يوماً إلَى الجوهر المادّيّ فتصير إيّاه إلّا أن

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182786
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي