135
ميزان الحکمه المجلد الثامن

الّذي مات وله نفس ساذجة غير أنّه فعل أفعالاً وخلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً لو عاش حيناً أمكن أن يكتسب على نفسه الساذجة صورة سعيدة أو شقيّة ، وكذا لو عاد بعد الموت إلَى الدُّنيا وعاش أمكن أن يكتسب على‏ صورته السابقة صورة خاصّة جديدة ، وإذا لم يعد فهو في البرزخ مثاب أو معذّب بما كسبته من الأفعال حتّى يتصوّر بصورة عقليّة مناسبة لصورته السّابقة المثاليّة ، وعند ذلك يبطل الإمكان المذكور ويبقى‏ إمكانات الاستكمالات العقليّة ، فإن عاد إلَى الدُّنيا كالأنبياء والأولياء لو عادوا إلَى الدُّنيا بعد موتهم أمكن أن يحصل صورة اُخرى‏ عقليّة من ناحية المادّة والأفعال المتعلّقة بها ، ولو لم يعد فليس له إلّا ما كسب من الكمال والصّعود في مدارجه والسّير في صراطه ، هذا .
ومن المعلوم أنّ هذا ليس قسراً دائماً ، ولو كان مجرّد حرمان موجود عن كماله الممكن له بواسطة عمل عوامل وتأثير علل مؤثّرة قسراً دائماً لكان أكثر حوادث هذا العالم - الذي هو دار التّزاحم وموطن التّضادّ - أو جميعها قسراً دائماً ، فجميع أجزاء هذا العالم الطبيعيّ مؤثّرة في الجميع ، وإنّما القسر الدائم أن يجعل في غريزة نوع من الأنواع اقتضاء كمال من الكمالات أو استعداد ثمّ لايظهر أثر ذلك دائماً إمّا لأمر في داخل ذاته أو لأمر من خارج ذاته متوجّه إلَى إبطاله بحسب الغريزة ، فيكون تغريز النّوع المقتضي أو المستعدّ للكمال تغريزاً باطلاً وتجبيلاً هباءً لغواً ، فافهم ذلك . وكذا لو فرضنا إنساناً تغيّرت صورته إلى‏ صورة نوع آخر من أنواع الحيوان كالقرد والخنزير فإنّما هي صورة على‏ صورة ، فهو إنسان خنزير أو إنسان قرد ، لا إنسان بطلت إنسانيّته وحلّت الصّورة الخنزيريّة أو القرديّة محلّها ، فالإنسان إذا كسب صورةً من صور الملكات تصوّرت نفسه بها ، ولا دليل


ميزان الحکمه المجلد الثامن
134

ثمّ إنّ لهذه الصورة أيضاً أفعالاً وأحوالاً تحصل بتراكمها التدريجيّ صورة خاصّة جديدة توجب تنوّع النّوعيّة الإنسانيّة على‏ حدّ ما ذكر نظيره في النوعيّة الحيوانيّة .
إذا عرفت ما ذكرناه ظهر لك أنّا لو فرضنا إنساناً رجع بعد موته إلَى الدُّنيا وتجدّد لنفسه التعلّق بالمادّة وخاصّة المادّة التي كانت متعلّقة نفسه من قبل لم يبطل بذلك أصل تجرّد نفسه ، فقد كانت مجرّدة قبل انقطاع العلقة ، ومعها أيضاً وهي مع التعلّق ثانياً حافظة لتجرّدها . والذي كان لها بالموت أنّ الأداة التي كانت رابطة فعلها بالمادّة صارت مفقودة لها ، فلا تقدر على‏ فعل مادّيّ كالصّانع إذا فقد آلات صنعته والأدوات اللازمة لها ، فإذا عادت النّفس إلى‏ تعلّقها الفعليّ بالمادّة أخذت في استعمال قواها وأدواتها البدنيّة ووضعت ما اكتسبتها من الأحوال والملكات بواسطة الأفعال فوق ما كانت حاضرة وحاصلة لها من قبل ، واستكملت بها استكمالاً جديداً من غير أن يكون ذلك منه رجوعاً قَهقرى‏ وسيراً نزوليّاً من الكمال إلَى النّقص، ومن الفعل إلَى القوّة.
فإن قلت : هذا يوجب القول بالقسر الدائم مع ضرورة بطلانه ؛ فإنّ النّفس المجرّدة المنقطعة عن البدن لو بقي في طباعها إمكان الاستكمال من جهة الأفعال المادّيّة بالتعلّق بالمادّة ثانياً كان بقاؤها علَى الحرمان من الكمال إلَى الأبد حرماناً عمّا تستدعيه بطِباعها ، فما كلّ نفس براجعة إلَى الدُّنيا بإعجاز أو خَرق عادة ، والحرمان المستمرّ قسر دائم .
قلتُ : هذه النفوس الّتي خرجت من القوّة إلَى الفعل في الدُّنيا واتّصلت إلى‏ حدّ وماتت عندها لا تبقى‏ على إمكان الاستكمال اللاّحق دائماً ، بل يستقرّ على‏ فعليّتها الحاضرة بعد حين أو تخرج إلَى الصورة العقليّة المناسبة لذلك وتبقى‏ على‏ ذلك، وتزول الإمكان المذكور بعد ذلك، فالإنسان

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182513
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي