163
ميزان الحکمه المجلد الثامن

المجتمعين ببسط الرقِّيّة والتملّك علَى النفوس والأموال ، وكانت بعض فوائد الملك الّذي ذكرناه - وهو وجود من يمنع عن طغيان بعض الأفراد على‏ بعض - يترتّب على‏ وجود هذا الصّنف من المتغلّبين المستعلين المتظاهرين باسم الملك في الجملة وإن كانوا هم أنفسهم وأعضادهم وجلاوزتهم قوىً طاغية من غير حقّ مَرْضيّ ؛ وذلك لكونهم مضطرّين إلى‏ حفظ الأفراد في حال الذلّة والاضطهاد حتّى‏ لا يتقوّى‏ من يثب على‏ حقوق بعض الأفراد فيثب يوماً عليهم أنفسهم ، كما أنّهم أنفسهم وثبوا على ما في أيدي غيرهم .
وبالجملة : بقاء جلّ الأفراد على‏ حال التّسالم خوفاً من الملوك المسيطرين عليهم كان يصرف النّاس عن الفكر في اعتبار الملك الاجتماعيّ ، وإنّما يشتغلون بحمد سيرة هؤلاء المتغلّبين إذا لم يبلغ تعدّيهم مبلغ جهدهم ، ويتظلّمون ويشتكون إذا بلغ بهم الجهد وحمل عليهم من التّعدّي ما يفوق طاقتهم .
نعم ، ربّما فقدوا بعض هؤلاء المتسمّين بالملوك والرؤساء بهلاك أو قتل أو نحو ذلك ، وأحسّوا بالفتنة والفساد ، وهدّدهم اختلال النَّظم ووقوع الهَرج ، فبادروا إلى‏ تقديم بعض اُولي الطَّول والقوّة منهم وألقَوا إليه زمام الملك ، فصار مَلِكاً يملك أزمّة الاُمور ، ثمّ يعود الأمر على‏ ما كان عليه من التّعدّي والتّحميل .
ولم تزل الاجتماعات على‏ هذه الحال برهة بعد برهة ، حتّى تضجّرت من سوء سير هؤلاء المتسمّين بالملوك في مظالمهم باستبدادهم في الرأي وإطلاقهم فيما يشاؤون ، فوضعت قوانين تعيّن وظائف الحكومة الجارية بين الاُمم وأجبرت الملوك باتّباعها وصار الملك ملكاً مشروطاً بعدما كان مطلقاً ، واتّحد النّاس علَى التّحفّظ على‏ ذلك وكان الملك موروثاً .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
162

وقال بعد تفسير قوله تعالى‏ : (قُلِ اللّهُمّ مالِكَ المُلْكِ ...)۱ في معنَى الملك واعتباره ، مانصّه :

بحث علميّ :

قد تقدّم في بعض مامرّ من الأبحاث السّابقة : أنّ اعتبار أصل المِلْك - بالكسر - من الاعتبارات الضّروريّة الّتي لا غنى‏ للبشر عنها في حال سواء كان منفرداً أو مجتمعاً ، وأنّ أصله ينتهي إلى‏ اعتبار الاختصاص ، فهذا حال المِلْك - بالكسر - .
وأمّا المُلك - بالضَّمّ - وهو السَّلطنة علَى الأفراد فهو أيضاً من الاعتبارات الضروريّة الّتي لا غنى‏ للإنسان عنها ، لكنّ الذي يحتاج إليه ابتداءً هو الاجتماع من حيث تألُّفه من أجزاء كثيرةٍ مختلفة المقاصد متبائنة الإرادات دون الفرد من حيث إنّه فرد ؛ فإنّ الأفراد المجتمعين لتبائن إراداتهم واختلاف مقاصدهم لا يلبثون دون أن يقع الاختلاف بينهم فيتغلّب كلّ علَى الآخرين في أخذ ما بأيديهم ، والتعدّي على‏ حومة حدودهم وهضم حقوقهم ، فيقع الهرج والمرج ، ويصير الاجتماع الذي اتّخذوه وسيلة إلى‏ سعادة الحياة ذريعة إلَى الشّقاء والهلاك ، ويعود الدواء داءاً . ولا سبيل إلى‏ رفع هذه الغائلة الطارية إلّا بجعل قوّة قاهرة على‏ سائر القوى‏ مسيطرة على‏ جميع الأفراد المجتمعين حتّى‏ تعيد القوَى الطاغية المستعلية إلى‏ حاقّ الوسط ، وترفع الدانية المستهلكة إليه أيضاً ، فتتّحد جميع القوى‏ من حيث المستوى‏ ، ثمّ تضع كلّ واحدة منها في محلّها الخاصّ وتعطي كلّ ذي حقّ حقّه .
ولمّا لم تكن الإنسانيّة في حين من الأحيان خالية الذّهن عن فكر الاستخدام - كما مرّ بيانه سالفاً - لم يكن الاجتماعات في الأعصار السالفة خالية عن رجال متغلّبين علَى المُلك مستعلين على‏ سائر الأفراد

1.آل عمران : ۲۶ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182836
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي