وهذا القول والكلمة الطيّبة هو الذي يُرتِّب تعالى عليه تثبيته في الدُّنيا والآخرة أهلَه ، وهم الذين آمنوا . ثمّ يقابله بإضلال الظالمين ، ويقابله بوجهٍ آخر بشأن المشركين . وبهذا يظهر أنّ المراد بالممثّل هو كلمة التوحيد وشهادة أن لا إله إلّا اللَّهُ حقّ شهادته .
فالقول بالوحدانيّة والاستقامة عليه هو حقّ القول الذي له أصلٌ ثابتٌ محفوظٌ عن كلّ تغيّرٍ وزوالٍ وبطلانٍ، وهو اللَّه عزّ اسمه أو أرض الحقائق . وله فروعٌ نشأت ونمت من غير عائقٍ يعوقه عن ذلك من عقائد حقّةٍ فرعيّةٍ وأخلاقٍ زاكيةٍ وأعمالٍ صالحةٍ يحيا بها المؤمن حياته الطيّبة ويَعمُر بها العالَم الإنسانيّ حقّ عمارته ، وهي التي تُلائم سير النظام الكونيّ الذي أدّى إلى ظهور الإنسان بوجوده المفطور علَى الاعتقاد الحقّ والعمل الصالح .
والكُمّل من المؤمنين - وهم الذين قالوا : ربّنا اللَّه ثمّ استقاموا، فتحقّقوا بهذا القول الثابت والكلمة الطيّبة - مثلهم كمثل قولهم الذي ثبتوا لا يزال النّاس منتفعين بخيرات وجودهم ومنعّمين ببركاتهم . وكذلك كلّ كلمةٍ حقّةٍ وكلّ عملٍ صالحٍ مثله هذا المثل ، له أصل ثابت وفروع رشيدة وثمرات طيّبة مفيدة نافعة .
فالمَثَل المذكور في الآية يجري في الجميع، كما يؤيّده التعبير بكلمةٍ طيّبةٍ بلفظ النكرة . غير أنّ المراد في الآية على ما يعطيه السياق هو أصل التوحيد الذي يتفرّع عليه سائر الاعتقادات الحقّة ، وينمو عليه الأخلاق الزّاكية و تنشأ منه الأعمال الصّالحة.
ثمّ ختم اللَّه سبحانه الآية بقوله : (ويَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثالَ للنّاسِ لَعلَّهُم يَتَذكّرونَ) ليتذكّر به المتذكّر أنْ لا محيص لمُريد السعادة عن التحقّق بكلمة التوحيد والاستقامة عليها .۱
(انظر) بحار الأنوار : 24/136 باب 44 .