181
ميزان الحکمه المجلد الثامن

على‏ أمْرِهِ)1، وقال : (إنّ اللَّهَ بالِغُ أمْرِهِ) .2
ومن هنا يظهر أنّ الملائكة موجودات منزّهة في وجودهم عن المادّة الجسمانيّة الّتي هي في معرض الزّوال والفساد والتّغيّر ، ومن شأنها الاستكمال التّدريجيّ الّذي تتوجّه به إلى‏ غايتها ، وربّما صادفت الموانع والآفات فحُرمت الغاية وبطلت دون البلوغ إليها .
ومن هنا يظهر أنّ ما ورد في الرّوايات من صور الملائكة وأشكالهم وهيآتهم الجسمانيّة - كما تقدّم نبذة منها في البحث الروائيّ السّابق - إنّما هو بيان تمثّلاتهم وظهوراتهم للواصفين من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، وليس من التّصوّر والتّشكّل في شي‏ء ، ففرق بين التّمثّل والتّشكّل ؛ فتَمثُّل الملَك إنساناً هو ظهوره لمن يشاهده في صورة الإنسان، فهو في ظرف المشاهدة والإدراك ذو صورة الإنسان وشكله ، وفي نفسه والخارج من ظرف الإدراك ملك ذو صورة ملكيّة . وهذا بخلاف التّشكّل والتّصوّر ؛ فإنّه لو تشكّل بشكل الإنسان وتصوّر بصورته صار إنساناً في نفسه من غير فرق بين ظرف الإدراك والخارج عنه ، فهو إنسان في العين والذّهن معاً ، وقد تقدّم كلام في معنَى التّمثّل في تفسير سورة مريم .
ولقد صدّق اللَّه سبحانه ما تقدّم من معنَى التّمثّل في قوله في قصّة المسيح ومريم: (فأرْسَلْنا إلَيها رُوحَنا فتمَثّلَ لَها بَشَراً سَوِيّاً)3 وقد تقدّم تفسيره.
وأمّا ما شاع في الألسن أنّ الملك جسم لطيف يتشكّل بأشكال مختلفة إلّا الكلب والخنزير ، والجنّ جسم لطيف يتشكّل بأشكال مختلفة حتَّى الكلب والخنزير ، فممّا لا دليل عليه من عقل ولا نقل من كتاب أو سنّة معتبرة.
وأمّا ما ادّعاه بعضهم من إجماع المسلمين على‏ ذلك - فمضافاً إلى‏ منعه - لا دليل على‏ حجّيّته في أمثال هذه المسائل الاعتقاديّة .4

1.يوسف : ۲۱ .

2.الطلاق : ۳ .

3.مريم : ۱۷ .

4.الميزان في تفسير القرآن : ۱۷/۱۲ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
180

وميكال ، وما عداهما مذكور بالوصف كمَلَك الموت والكرام الكاتبين والسَّفَرة الكرام البررة والرّقيب والعتيد وغير ذلك.
والّذي ذكره اللَّه سبحانه في كلامه - وتُشايعه الأحاديث السابقة - من صفاتهم وأعمالهم هو أوّلاً : أنّهم موجودات مكرمون ، هم وسائط بينه تعالى‏ وبين العالَم المشهود ، فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة إلّا وللملائكة فيها شأن ، وعليها ملك موكّل أو ملائكة موكّلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات ، وليس لهم في ذلك شأن إلّا إجراء الأمر الإلهيّ في مجراه أو تقريره في مستقرّه ، كما قال تعالى‏ : (لا يَسْبِقونَهُ بِالقَولِ وَهُمْ بأمْرِهِ يَعْمَلونَ) .1
وثانياً : أنّهم لا يعصون اللَّه فيما أمرهم به ، فليست لهم نفسيّة مستقلّة ذات إرادة مستقلّة تريد شيئاً غير ما أراد اللَّه سبحانه ، فلا يستقلّون بعمل ولا يغيّرون أمراً حمّلهم اللَّه إيّاه بتحريف أو زيادة أو نقصان ، قال تعالى‏ : (لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أمَرَهُمْ ويَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ) .2
وثالثاً : أنّ الملائكة على‏ كثرتهم على‏ مراتب مختلفة عُلوّاً ودُنوّاً ، فبعضهم فوق بعض وبعضهم دون بعض ، فمنهم آمِر مطاع ومنهم مأمور مطيع لأمره ، والآمِر منهم آمر بأمر اللَّه حامل له إلى‏ المأمور ، والمأمور مأمور بأمر اللَّه مطيع له ، فليس لهم من أنفسهم شي‏ء البتّة ، قال تعالى‏ : (وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلومٌ)3 وقال : (مُطاعٍ ثَمَّ أمينٍ)4، وقال : (قالوا ماذا قالَ ربُّكُمْ قالوا الحَقّ) .5
ورابعاً : أنّهم غير مغلوبين ؛ لأنّهم إنّما يعملون بأمر اللَّه وإرادته (وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْ‏ءٍ في السَّماواتِ ولا في الأرْضِ)6، وقد قال اللَّه : (واللَّهُ غالِبٌ

1.الأنبياء : ۲۷ .

2.التحريم : ۶ .

3.الصافّات : ۱۶۴ .

4.التكوير : ۲۱ .

5.سبأ : ۲۳ .

6.فاطر : ۴۴ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 179796
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي