تعالى وبين خلقه بإنفاذ أمره فيهم ، وليس ذلك على سبيل الاتّفاق بأن يُجري اللَّه سبحانه أمراً بأيديهم ثمّ يُجري مثله لا بتوسيطهم فلا اختلاف ولا تخلّف في سنّته تعالى: (إنّ ربّي على صِراطٍ مُسْتَقيمٍ)۱، وقال : (فلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبديلاً ولَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحويلاً) .۲
 ومن الوساطة : كون بعضهم فوق بعض مقاماً وأمر العالي منهم السافل بشيءٍ من التدبير ؛ فإنّه في الحقيقة توسّط من المتبوع بينه تعالى وبين تابعه في إيصال أمر اللَّه تعالى، كتوسّط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من الأرواح، قال تعالى حاكياً عن الملائكة : (وما مِنّا إلّا لَهُ مَقامٌ مَعْلومٌ)۳ ، وقال : (مُطاعٍ ثَمَّ أمينٍ)۴ ، وقال : (حَتّى إذا فُزِّعَ عَن قُلوبِهِم قالوا ماذا قالَ ربُّكُمْ قالوا الحَقّ) .۵
 ولا ينافي هذا الذي ذكر - من توسّطهم بينه تعالى وبين الحوادث ؛ أعني كونهم أسباباً تستند إليها الحوادث - استناد الحوادث إلى أسبابها القريبة المادّية ؛ فإنّ السببيّة طوليّة لا عرضيّة ؛ أي إنّ السبب القريب سبب للحادث ، والسبب البعيد سبب للسبب .
 كما لا ينافي توسّطهم واستناد الحوادث إليهم استناد الحوادث إليه تعالى وكونه هو السبب الوحيد لها جميعاً على ما يقتضيه توحيد الربوبيّة؛ فإنّ السببيّة طوليّة كما سمعت لا عرضيّة، ولا يزيد استناد الحوادث إلَى الملائكة استنادها إلى أسبابها الطبيعيّة القريبة ، وقد صدَّق القرآن الكريم استناد الحوادث إلَى الحوادث الطبيعيّة كما صدَّق استنادها إلَى الملائكة .
 وليس لشيءٍ من الأسباب استقلال قباله تعالى حتّى ينقطع عنه فيمنع ذلك استناد ما استند إليه إلَى اللَّه سبحانه ،