والغصب والتغلّب كما لا نزال نشاهد ذلك في المجتمعات الإنسانيّة .
وهذا المعنى على أنّه وضعيّ اعتباريّ وإن أمكن تصويره في مورده تعالى من جهة أنّ الحكم الحقّ في المجتمع البشريّ للَّه سبحانه كما قال تعالى : (إنِ الحُكْمُ إلّا للَّهِ)۱ وقال : (لَهُ الحَمْدُ في الاُولى والآخِرَةِ ولَهُ الحُكْمُ)۲ لكن تحليل معنى هذا الملك الوضعيّ يكشف عن ثبوت ذلك في الحقائق ثبوتاً غير قابل للزوال والانتقال ، كما أنّ الواحد منّا يملك نفسه بمعنى أنّه هو الحاكم المسلّط المتصرّف في سمعه وبصره وسائر قواه وأفعاله ؛ بحيث إنّ سمعه إنّما يسمع وبصره إنّما يبصر بتبع إرادته وحكمه ، لا بتبع إرادة غيره من الأناسيّ وحكمه . وهذا معنىً حقيقيّ لا نشكّ في تحقّقه فينا مثلاً تحقّقاً لا يقبل الزوال والانتقال كما عرفت . فالإنسان يملك قوى نفسه وأفعال نفسه وهي جميعاً تبعات وجوده قائمة به غير مستقلّة عنه ولا مستغنية عنه ، فالعين إنّما تبصر بإذن من الإنسان الذي يبصر بها ، وكذا السمع يسمع بإذن منه ، ولولا الإنسان لم يكن بصر ولا إبصار ولا سمع ولا استماع ، كما أنّ الفرد من المجتمع إنّما يتصرّف فيما يتصرّف فيه بإذن من الملك أو وليّ الأمر . ولو لم تكن هذه القوّة المدبّرة التي تتوحّد عندها أزمّة المجتمع لم يكن اجتماع ، ولو منع عن تصرّف من التصرّفات الفرديّة لم يكن له أن يتصرّف ولا نفذ منه ذلك . ولا شكّ أنّ هذا المعنى بعينه موجود للَّه سبحانه الذي إليه تكوين الأعيان وتدبير النظام ، فلا غنى لمخلوق عن الخالق عزّ اسمه لا في نفسه ولا في توابع نفسه من قوى وأفعال ، ولا استقلال له لا منفرداً ولا في حال اجتماعه مع سائر أجزاء الكون وارتباط قوى العالم وامتزاج بعضها ببعض امتزاجاً يكوّن هذا النظام العامّ المشاهد .