(مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) .۱
(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ) .۲
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئَاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورَاً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) .۳
(إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ) .۴
التّفسير :
قال العلّامة الطباطبائي في قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذينَ كَفَرُوا...) : المَثَل هو الكلام السائر ، والمثل هو الوصف، كقوله تعالى : (انظُرْ كَيفَ ضَرَبوا لَكَ الأمْثالَ فَضَّلُوا فَلا يَستَطيعونَ سَبيلاً) .۵والنَّعيقُ صوت الراعي لغنمه زجراً ، يقال : نعق الراعي بالغنم ينعق نعيقاً إذا صاح بها زجراً ، والنداء مصدر نادى ينادي مناداة ، وهو أخصّ من الدعاء، ففيه معنَى الجهر بالصوت ونحوه، بخلاف الدعاء .
والمعنى - واللَّه أعلم - ومَثَلك في دعاء الذين كفروا كَمَثل الذي ينعق من البهائم بما لا يسمع من نعيقه إلّا دعاءً ونداءً ما ، فينزجر بمجرّد قرع الصوت سمعَه من غير أن يعقل شيئاً ، فهم صُمٌّ لا يسمعون كلاماً يفيدهم ، وبُكمٌ لايتكلّمون بما يفيد معنىً ، وعُميٌ لا يبصرون شيئاً فهم لا يعقلون شيئاً ؛ لأنّ الطُرق المؤديّة إلَى التعقّل مسدودةٌ عليهم.
ومن ذلك يظهر أنّ في الكلام قلباً أو عنايةً اُخرى يعود إليه ؛ فإنّ المَثَل بالذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً ونداءً مثل الذي يدعوهم إلى الهُدى لا مثل الكافرين المدعوّين إلَى الهُدى ، إلّا أنّ الأوصاف الثلاثة التي استنتج واستخرج من المثل وذُكرت بعده - وهي قوله : (صُمٌ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لايَعقِلونَ) - لمّا كانت أوصافاً للّذين كفروا لا لمن