251
ميزان الحکمه المجلد الثامن

والأموال بما لها من النسب الدائرة بينها - تنوّر أ نّهما ممثّلان لنسب الأشياء بعضها إلى‏ بعض ، وإذ كانت بحسب الاعتبار ممثّلات للنسب - وإن شئت فقل : نفس النسب - تبطل النسب ببطلان اعتبارها ، وتحبس بحبسها ومنع جريانها ، وتقف بوقوفها .
وقد شاهدنا في الحربَين العالميَين الأخيرَين ماذا أوجده بطلان اعتبار نقود بعض الدول - كالمنات في الدولة التزاريّة والمارك في الجرمن - من البلوى‏ وسقوط الثروة واختلال أمر الناس في حياتهم ، والحال في كنزهما ومنع جريانهما بين الناس هذا الحال .
وإلى‏ ذلك يشير قول أبي جعفر عليه السلام في رواية الأمالي المتقدمة : «جعَلَها اللَّهُ مصلَحَةً لِخَلقِهِ ، وبها يَستَقيمُ شُؤونُهُم ومَطالِبُهُم» .
ومن هنا يظهر أنّ كنزهما إبطال لقيم الأشياء وإماتة لما في وسع المكنوز منهما من إحياء المعاملات الدائرة وقيام السوق في المجتمع على‏ ساقه ، وببطلان المعاملات وتعطّل الأسواق تبطل حياة المجتمع ، وبنسبة ما لها من الركود والوقوف تقف وتضعف .
لست اُريد خزنهما في مخازن تختصّ بهما ، فإنّ حفظ نفائس الأموال وكرائم الأمتعة من الضيعة من الواجبات التي تهدي إليه الغريزة الإنسانيّة ويستحسنه العقل السليم ، فكلّما جرت وجوه النقد في سبيل المعاملات كيفما كان فهو ، وإذا رجعت فمن الواجب أن تختزن وتحفظ من الضيعة وما يهدّدها من أيادي الغصب والسرقة والغيلة والخيانة .
وإنّما أعني به كنزهما وجعلهما في معزل عن الجريان في المعاملات السُّوقيّة والدَّوَران لإصلاح أيّ شأن من شؤون الحياة ورفع الحوائج العاكفة علَى المجتمع كإشباع جائع وإرواء عطشان وكسوة عريان وربح كاسب وانتفاع عامل ونماء مال


ميزان الحکمه المجلد الثامن
250

ثمّ إنّهم عمدوا إلى‏ بعض الأعيان العزيزة الوجود عندهم فجعلوها أصلاً في القيمة تقاس إليه سائر الأعيان الماليّة بما لها من مختلف النسب كالحنطة والبيضة والملح ، فصارت مداراً تدور عليها المبادلات السوقيّة ، وهذه السليقة دائرة بينهم في بعض المجتمعات الصغيرة في القُرى وبين القبائل البدويّة حتَّى اليوم .
ولم يزالوا على‏ ذلك حتّى ظفروا ببعض الفلزّات كالذهب والفضّة والنحاس ونحوها ، فجعلوها أصلاً إليه يعود نسب سائر الأعيان من جهة قيمها ، ومقياساً واحداً يقاس إليها غيرها ، فهي النقود القائمة بنفسها وغيرها يقوم بها .
ثمّ آل الأمر إلى‏ أن يحوز الذهب المقام الأوّل والفضّة تتلوه ، ويتلوها غيرهما ، وسكّت الجميع بالسكك الملوكيّة أو الدوليّة ، فصارت ديناراً ودرهماً وفلساً وغير ذلك بما يطول شرحه على‏ خروجه من غرض البحث .
فلم يلبث النقدان حتّى‏ عادا أصلاً في القيمة بهما يقوّم كلّ شي‏ء ، وإليهما يقاس ما عند الإنسان من ال أو عمل ، وفيهما يرتكز ارتفاع كلّ حاجة حيويّة ، وهما ملاك الثروة والوجد كالمتعلّق بهما روح المجتمع في حياته يختلّ أمره باختلال أمرهما ، إذا جريا في سوق المعاملات جرت المعاملات بجريانهما ، وإذا وقفا وقفت .
وقد أوضحت ما عليهما من الوظيفة المحوّلة إليهما في المجتمعات الإنسانيّة - من حفظ قيم الأمتعة والأعمال ، وتشخيص نسب بعضها إلى‏ بعض - الأوراق الرسميّة الدائرة اليوم فيما بين الناس كالبُوند والدولار وغيرهما والصكوك البنجيّة المنتشرة فإنّها تمثّل قيم الأشياء من غير أن تتضمّن عينيّة لها قيمة في نفسها ، فهي قيم خالصة مجرّدة تقريباً .
فالتأمّل في مكانة الذهب والفضّة الاجتماعيّة - بما هما نقدان حافظان للقيم ، ومقياسان يقاس إليهما الأمتعة

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 186770
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي