29
ميزان الحکمه المجلد الثامن

اتَّخَذَتْ بَيْتاً) إلَى اتّخاذها البيت، فيؤول المعنى‏ إلى‏ أنّ صفة المشركين في اتّخاذهم من دون اللَّه أولياء كصفة العنكبوت في اتّخاذها بيتاً له نبأٌ ، وهو الوصف الذي يدلّ عليه تنكير (بَيْتاً) . ويكون قوله : (إنَّ أوْهَنَ البُيوتِ لَبَيْتُ العَنْكَبوتِ) بياناً لصفة البيت الذي أخذته العنكبوت ، ولم يقل : إنّ أوهن البيوت لبيتها كما هو مقتضَى الظاهر، أخذاً للجملة بمنزلة المَثَل السائر الذي لايتغيّر .
والمعنى‏ أنّ اتّخاذهم من دون اللَّه أولياء - وهم آلهتهم الذين يتولّونهم ويركنون إليهم - كاتّخاذ العنكبوت بيتاً هو أوهن البيوت؛ إذ ليس له من آثار البيت إلّا اسمه: لايدفع حرّاً ولا برداً ولايكنّ شخصاً ولا يقي من مكروهٍ ، كذلك ليس لوَلاية أوليائهم إلّا الاسم فقط، لاينفعون ولا يضرّون ولايملكون موتاً ولا حياةً ولانشوراً .
ومورد المَثَل : هو اتّخاذ المشركين آلهةً من دون اللَّه ، فتبديل الآلهة من الأولياء لكون السبب الداعي لهم إلَى اتّخاذ الآلهة زعمُهم أنّ لهم وَلايةً لأمرهم وتدبيراً لشأنهم، من جلب الخير إليهم ودفع الشرّ عنهم والشفاعة في حقّهم .
والآية - مضافاً إلى‏ إيفاء هذه النكتة - تشمل بإطلاقها كلّ من اتّخذ في أمرٍ من الاُمور وشأنٍ من الشؤون وليّاً من دون اللَّه يركن إليه ويراه مستقلّاً في أثره الذي يرجوه منه، وإن لم يُعدّ من الأصنام إلّا أن يرجع ولايته إلى‏ ولاية اللَّه كوَلاية الرسول والأئمّة والمؤمنين، كما قال تعالى‏ : (وما يُؤمِنُ أكْثَرُهُم باللَّهِ إلّا وَهُمْ مُشْرِكونَ) .1
وقوله : (لَو كانُوا يَعْلَمونَ) أي لو كانوا يعلمون أنّ مثلهم كمثل العنكبوت ما اتّخذوهم أولياء . كذا قيل.2
قوله تعالى‏ : (وتِلكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها للنّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا العالِمونَ)3 يشير إلى‏ أنّ الأمثال المضروبة في القرآن على‏ أنّها عامّةٌ تقرع أسماع عامّة النّاس ،

1.يوسف : ۱۰۶ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱۶/۱۳۰ .

3.العنكبوت : ۴۳ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
28

حرمانهم من الاهتداء إلَى الإيمان، وتحريمه تعالى‏ عليهم ذلك جزاءً لكفرهم وغوايتهم وطغيانهم في ذلك .
وقد تقدّم في قوله تعالى‏ :(إنَّ اللَّهَ لايَسْتَحيي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً)۱ في الجزء الأوّل من الكتاب، أنّ ما وقع في القرآن الكريم من هذه الأوصاف ونظائرها التي وصف بها المؤمنون والكفّار يكشف عن حياةٍ اُخرى‏ للإنسان في باطن هذهِ الحياة الدنيويّة، مستورةٍ عن الحسّ المادّيّ، ستظهر له إذا انكشفت الحقائق بالموت أو البعث . وعليه فالكلام في أمثال هذه الآيات جارٍ في مجرَى الحقيقة دون المجاز كما عليه القوم .۲

(انظر) الكفر : باب 3438 .

3554 - مَثَلُ المُشرِكِ‏

الكتاب :

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتَاً وَإنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَىْ‏ءٍ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَ تِلْكَ الْأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَ مَا يَعْقِلُهَآ إِلَّا الْعَلِمُونَ) .۳

(حُنَفَاءَ للَّهِ‏ِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) .۴

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمَاً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ للَّهِ‏ِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْلَمُونَ) .۵

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَاً عَبْدَاً مَمْلُوكَاً لاَ يَقْدِرُ عَلَى‏ شَيْ‏ءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقَاً حَسَنَاً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرَّاً وَجَهْرَاً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للَّهِ‏ِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَيَعْلَمُونَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى‏ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى‏ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .۶

التّفسير :

العناية في قوله : (مَثَلُ الّذينَ اتَّخَذوا) ... إلخ باتّخاذ الأولياء من دون اللَّه ، ولذا جي‏ء بالموصول والصّلة ، كما أنّ العناية في قوله : (كَمَثَلِ العَنْكَبُوتِ

1.البقرة : ۲۶ .

2.الميزان في تفسير القرآن : ۱۷/۶۴ .

3.العنكبوت : ۴۱ - ۴۳ .

4.الحجّ : ۳۱ .

5.الزمر : ۲۹ .

6.النحل : ۷۵ و ۷۶ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 154783
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي