283
ميزان الحکمه المجلد الثامن

في هذه الملّة البيضاء أصدق شاهد وأبين بيّنة على‏ صدق النّاهض بدعوتها صلى اللَّه عليه وآله ، ولو لم تكن تذكر أمارات له في الكتابين فإنّ شريعته كمال شريعة الكليم والمسيح عليه السلام. وهل يطلب من شريعة حقّة إلّا عرفانها المعروف وإنكارها المنكر ، وتحليلها الطيّبات ، وتحريمها الخبائث ، وإلغاؤها كلّ إصر وغلّ ؟ وهي تفاصيل الحقّ الّذي يدعو إليه الشرائع الإلهيّة ، فليعترف أهل التّوراة والإنجيل أنّ الشّريعة الّتي تتضمّن كمال هذه الاُمور بتفاصيلها هي عين شريعتهم في مرحلة كاملة .
وبهذا البيان يظهر أنّ قوله تعالى‏ : (يأمُرُهُم بالمَعروفِ ويَنهاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ) الآية ، يفيد بمجموعه معنى‏ تصديقه لما في كتابيهم من شرائع اللَّه تعالى‏، كأنّه قيل : مصدّقاً لمابين يديه كما في قوله تعالى‏ : (ولَمّا جاءَهُم رَسولٌ مِنْ عِندِاللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبذَ فَريقٌ مِنَ الّذينَ اُوتوا الِكتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كأنّهُمْ لايَعْلَمونَ)۱ وقوله : (ولَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِن عِندِاللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وكانُوا مِنْ قَبلُ يَسْتَفْتِحونَ عَلَى الّذينَ كَفَروا فلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفوا كَفَروا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الكافِرينَ)۲يريد مجي‏ء النّبيّ صلى اللَّه عليه وآله بكمال ما في كتابهم من الشّريعة مصدّقاً له ثمّ كفرهم به وهم يعلمون أ نّه المذكور في كتبهم المبشّر به بلسان أنبيائهم كما حكى‏ سبحانه عن المسيح في قوله : (يا بَني إسْرائيلَ إنّي رَسولُ اللَّهِ إلَيْكُم مُصَدِّقاً لِما بَينَ يَدَيَّ مِن التَّوراةِ ومُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأتي مِنْ بَعْدي اسْمُهُ أحْمَدُ)۳.۴

8 . رفعُ الاختلافِ :

الكتاب :

(كَانَ النَّاسُ أَُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيما اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيَاً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .۵

1.البقرة : ۱۰۱ .

2.البقرة : ۸۹ .

3.الصفّ : ۶ .

4.الميزان في تفسير القرآن : ۸/۲۷۸ .

5.البقرة : ۲۱۳ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
282

الكِتابِ اُمَّةٌ قائمَةٌ - إلى‏ أن قال - ويأمُرونَ بِالمَعْروفِ ويَنْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ ويُسارِعونَ في الخَيراتِ واُولئكَ مِنَ الصّالِحينَ) .1
وكذلك تحليل الطّيّبات وتحريم الخبائث في الجملة من جملة الفطريّات الّتي أجمع عليها الأديان الإلهيّة ، وقد قال تعالى‏ : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الّتي أخْرَجَ لِعِبادِهِ والطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) .2
وكذلك وضع الإصر والأغلال وإن كان ممّا يوجد في الجملة في شريعة عيسى‏ عليه السلام كما يدلّ عليه قوله فيما حكى‏ اللَّه عنه في القرآن الكريم : (ومُصَدِّقاً لِما بَينَ يَديَّ مِن التَّوراةِ ولاُحِلَّ لَكُمْ بَعضَ الّذي حُرِّمَ علَيكُم)3 ويشعر به قوله خطاباً لبني إسرائيل : (قَد جِئتُكُمْ بِالحِكمَةِ ولاُبيِّنَ لَكُمْ بَعضَ الّذي تَخْتَلِفونَ فيهِ) .4
إلّا أ نّه لايرتاب ذو ريبٍ في أنّ الدِّين الّذي جاء به محمّد صلى اللَّه عليه وآله بكتاب من عند اللَّه مصدّق لما بين يديه من الكتب السّماويّة - وهو دين الإسلام - هو الّدين الوحيد الّذي نفخ في جثمان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر كلّ ما يسعه من روح الحياة، وبلغ به من حدّ الدّعوة الخالية إلى‏ درجة الجهاد في سبيل اللَّه بالأموال والنفوس ، وهو الدّين الوحيد الّذي أحصى‏ جميع ما يتعلّق به حياة الإنسان من الشّؤون والأعمال ثمّ قسّمها إلى‏ طيّبات فأحلّها ، وإلى‏ خبائث فحرّمها ، ولا يعادله في تفصيل القوانين المشرّعة أيّ شريعة دينيّة وقانون اجتماعيّ ، وهو الدّين الّذي نسخ جميع الأحكام الشّاقّة الموضوعة على‏ أهل الكتاب واليهود خاصّة ، وما تكلّفها علماؤهم وابتدعها أحبارهم ورهبانهم من الأحكام المبتدعة .
فقد اختصّ الإسلام بكمال هذه الاُمور الخمسة وإن كانت توجد في‏غيره نماذج من ذلك .
على‏ أنّ كمال هذه الاُمور الخمسة

1.آل عمران : ۱۱۳ ، ۱۱۴ .

2.الأعراف : ۳۲ .

3.آل عمران : ۵۰ .

4.الزخرف : ۶۳ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182828
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي