285
ميزان الحکمه المجلد الثامن

ويعدّل قواها المختلفة عند طغيانها ، وينظّم للإنسان سلك حياته الدنيويّة والاُخرويّة ، والمادّيّة والمعنويّة ، فهذا إجمال تاريخ حياة هذا النوع - الحياة الاجتماعيّة والدينيّة - على‏ ما تعطيه هذه الآية الشريفة . وقد اكتفت في تفصيل ذلك بما تفيده متفرّقات الآيات القرآنيّة النازلة في شؤون مختلفة .۱

9 . الهدايةُ إلى‏ سُبلِ السّلامِ‏

الكتاب :

(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى‏ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) .۲

الحديث :

۱۹۵۶۲.الإمامُ عليٌّ عليه السلام : إنّ اللَّهَ تعالى‏ خَصَّكُم بالإسلامِ ، واستَخلَصَكُم لَهُ ؛ وذلكَ لأ نّهُ اسمُ سلامَةٍ وجِماعُ كرامَةٍ .۳

۱۹۵۶۳.عنه عليه السلام- في وَصفِ السّالِكِ الطَّريقَ إلَى اللَّهِ سبحانَهُ -: وبَرَقَ لَهُ لامِعٌ كثيرُ البَرقِ ، فأبانَ لَهُ الطَّريقَ ، وسَلكَ بهِ السَّبيلَ ، وتَدافَعَتهُ الأبوابُ إلى‏ بابِ السَّلامَةِ ودارِ الإقامَةِ .۴

۱۹۵۶۴.عنه عليه السلام : إنّ تَقوَى اللَّهِ دَواءُ داءِ قُلوبِكُم ، وبَصَرُ عَمى‏ أفئدتِكُم ، وشِفاءُ مَرَضِ أجسادِكُم .۵

التّفسير :

قال العلّامة الطباطباييّ قدّس سرّه في قوله تعالى‏ : (يَهْدي بهِ اللَّهُ مَنِ اتّبعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) : الباء في قوله : «بِه» للآلة ، والضمير عائد إلَى الكتاب أو إلَى النور سواء اُريد به النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أو القرآن فمآل الجميع واحد ، فإنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أحد الأسباب الظاهريّة في مرحلة الهداية، وكذا القرآن وحقيقة الهداية قائمة به ، قال تعالى‏ : (إنّكَ لا تَهْدِي مَن أحْبَبْتَ ولكنَّ اللَّهَ يَهدِي مَن يَشاءُ)6 ، وقال : (وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيكَ رُوحاً مِن أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولَا الإيمانُ ولَكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بهِ مَن نَشاءُ مِن عِبادِنا

1.الميزان في تفسير القرآن : ۲/۱۱۱ ، انظر تمام الكلام .

2.المائدة : ۱۶ .

3.نهج البلاغة : الخطبة : ۱۵۲ .

4.نهج البلاغة : الخطبة : ۲۲۰ .

5.نهج البلاغة : الخطبة : ۱۹۸ .

6.القصص : ۵۶ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
284

الحديث :

۱۹۵۶۱.الإمامُ عليٌّ عليه السلام : اُنظُروا إلى‏ مَواقِعِ نِعَمِ اللَّهِ علَيهِم حِينَ بَعَثَ إلَيهِم رَسولاً فعَقدَ بمِلَّتِهِ طاعَتَهُم ، وجَمعَ على‏ دَعوَتِهِ اُلفتَهُم : كيفَ نَشَرَتِ النِّعمَةُ علَيهِم جَناحَ كَرامَتِها ، وأسالَت لَهُم جَداوِلَ نَعيمِها ، والتَفّتِ المِلّةُ بِهِم في عَوائدِ بَرَكَتِها ، فأصبَحوا في نِعمَتِها غَرِقِينَ!۱

التّفسير :

قال العلّامة الطباطبائيّ في تفسير قوله تعالى‏ : (كانَ النّاسُ اُمَّةً واحِدَةً ...) : الآية تبيّن السبب في تشريع أصل الدِّين وتكليف النوع الإنسانيّ به ، وسبب وقوع الاختلاف فيه ببيان : أنّ الإنسان - وهو نوع مفطور علَى الاجتماع والتعاون - كان في أوّل اجتماعه اُمّة واحدة ، ثمّ ظهر فيه بحسب الفطرة الاختلافُ في اقتناء المزايا الحيويّة ، فاستدعى‏ ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة والمشاجرات في لوازم الحياة ، فاُلبست القوانين الموضوعة لباس الدين ، وشفعت بالتبشير والإنذار : بالثواب والعقاب ، واُصلحت بالعبادات المندوبة إليها ببعث النبيّين ، وإرسال المرسلين، ثمّ اختلفوا في معارف الدين أو اُمور المبدأ والمعاد ، فاختلّ بذلك أمر الوحدة الدينيّة ، وظهرت الشعوب والأحزاب وتبع ذلك الاختلاف في غيره ، ولم يكن هذا الاختلاف الثاني إلّا بغياً من الذين اُوتوا الكتاب وظلماً وعتوّاً منهم بعد ماتبيّن لهم اُصوله ومعارفه ، وتمّت عليهم الحجّة ، فالاختلاف اختلافان : اختلاف في أمر الدين مستند إلى‏ بغي الباغين دون فطرتهم وغريزتهم ، واختلاف في أمر الدنيا وهو فطريّ وسبب لتشريع الدين ، ثمّ هدَى اللَّه سبحانه المؤمنين إلَى الحقّ المختلف فيه بإذنه ، واللَّه يهدي من يشاء إلى‏ صراط مستقيم .
فالدين الإلهيّ هو السبب الوحيد لسعادة هذا النوع الإنسانيّ ، والمصلح لأمر حياته ، يصلح الفطرة بالفطرة ،

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۹۲ ، انظر تمام الكلام .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182219
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي