305
ميزان الحکمه المجلد الثامن

بآدم ، وأمّا زوجته فلم يسمّها في كتابه ، ولكنّ الروايات تسمّيها حوّاء كما في التوراة الموجودة ، قال تعالى‏ : (وبَدَأ خَلْقَ الإنْسانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِن ماءٍ مَهينٍ) .1
وقال تعالى‏ : (إنَّ مَثَلَ عيسى‏ عِندَ اللَّهِ كمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فيَكونُ)2وقال تعالى‏ : (وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائكَةِ إنّي جاعِلٌ في الأرضِ خَليفَةً قالوا أتَجعَلُ فيها مَن يُفسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمونَ * وعَلَّمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلَّها ...) الآية3 وقال تعالى‏ : (إذْ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائكَةِ إنّي خالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فإذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فيهِ من رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدينَ ...) الآيات‏4، فإنّ الآيات - كما ترى‏ - تشهد بأنّ سنّة اللَّه في بقاء هذا النسل أن يتسبّب إليه بالنطفة ، لكنّه أظهره حينما أظهره بخلقه من تراب ، وأنّ آدم خلق من تراب وأنّ الناس بنوه ، فظهور الآيات في انتهاء هذا النسل إلى‏ آدم وزوجته ممّا لاريب فيه وإن لم تمتنع من التأويل .
وربّما قيل : إنّ المراد بآدم في آيات الخلقة والسجدة آدم النوعيّ دون الشخصيّ ، كأنّ مطلق الإنسان - من حيث انتهاء خلقه إلَى الأرض ، ومن حيث قيامه بأمر النسل والإيلاد - سمّي بآدم ، وربّما استظهر ذلك من قوله تعالى‏ : (ولَقَدْ خَلَقْناكُم ثُمَّ صَوَّرْناكُم ثُمَّ قُلنا لِلمَلائكةِ اسْجُدوا لآدَمَ)5 فإنّه لايخلو عن إشعار بأنّ الملائكة إنّما اُمروا بالسجدة لمن هيّأه اللَّه لها بالخلق والتصوير . وقد ذكرت الآية أ نّه جميع الأفراد لا شخص إنسانيّ واحد معيّن ؛ حيث قال : (ولَقَدْ خَلَقناكُم ثُمَّ صَوَّرْناكُم) وهكذا قوله تعالى‏ : (قالَ يا إبليسُ ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقتُ بِيَدَيَّ - إلى‏ أن قال : - قالَ أنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقْتَني مِن نارٍ وخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ - إلى‏ أن قال : - قالَ فبِعِزَّتِكَ لَاُغوِيَنّهُم أجْمَعينَ *

1.السجدة : ۷ ، ۸ .

2.آل عمران : ۵۹ .

3.البقرة : ۳۰ ، ۳۱ .

4.ص : ۷۱ ، ۷۲ .

5.الأعراف : ۱۱ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
304

وربّما يستدلّ عليه بأنّ قارّة أمريكا انكشفت ولها أهل ، وهم منقطعون عن الإنسان القاطن في نصف الكرة الشرقيّ بالبعد الشاسع الذي بينهما انقطاعاً لايرجى‏ ولا يُحتمل معه أنّ النَّسلَين يتّصلان بانتهائهما إلى‏ أب واحد واُمّ واحدة . والدليلان - كما ترى‏ - مدخولان :
أمّا مسألة اختلاف الدماء باختلاف الألوان فلأنّ الأبحاث الطبيعيّة اليوم مبنيّة على‏ فرضيّة التطوّر في الأنواع ، ومع هذا البناء كيف يطمأن بعدم استناد اختلاف الدماء فاختلاف الألوان إلى‏ وقوع التطوّر في هذا النوع . وقد جزموا بوقوع تطوّرات في كثير من الأنواع الحيوانيّة كالفَرَس والغنم والفيل وغيرها ، وقد ظفر البحث والفحص بآثار أرضيّة كثيرة يكشف عن ذلك ؟ على‏ أنّ العلماء اليوم لايعتنون بهذا الاختلاف ذاك الاعتناء .
وأمّا مسألة وجود الإنسان فيما وراء البحار فإنّ العهد الإنسانيّ على‏ ما يذكره علماء الطبيعة يزهو إلى‏ ملايين من السنين ، والذي يضبطه التاريخ النقليّ لايزيد على‏ ستّة آلاف سنة ، وإذا كان كذلك فما المانع من حدوث حوادث فيما قبل التاريخ تجزي قارّة أمريكا عن سائر القارّات ، وهناك آثار أرضيّة كثيرة تدلّ على‏ تغييرات هامّة في سطح الأرض بمرور الدهور من تبدّل بحر إلى‏ برّ وبالعكس ، وسهل إلى‏ جبل وبالعكس ، وما هو أعظم من ذلك كتبدّل القطبَين والمنطقة على‏ مايشرحه علوم طبقات الأرض والهيئة والجغرافيا ، فلا يبقى‏ لهذا المستدلّ إلّا الاستبعاد فقط . هذا .
وأمّا القرآن فظاهره القريب من النصّ أنّ هذا النسل الحاضر المشهود من الإنسان ينتهي بالارتقاء إلى‏ ذَكَر واُنثى‏ هما الأب والاُمّ لجميع الأفراد . أمّا الأب فقد سمّاه اللَّه تعالى‏ في كتابه

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 181706
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي