307
ميزان الحکمه المجلد الثامن

أو يجانسهما وإنّما حدثا حدوثاً .
والشائع اليوم عند الباحثين عن طبيعة الإنسان أنّ الإنسان الأوّل فرد تكامل إنساناً ، وهذه الفرضيّة بخصوصها وإن لم يتسلّمها الجميع تسلّماً يقطع الكلام ، واعترضوا عليه باُمور كثيرة مذكورة في الكتب ، لكنّ أصل الفرضيّة - وهي أنّ الإنسان حيوان تحوّل إنساناً - ممّا تسلّموه وبنَوا عليه البحث عن طبيعة الإنسان .
فإنّهم فرضوا أنّ الأرض - وهي أحد الكواكب السيّارة - قطعة من الشمس مشتقّة منها ، وقد كانت في حال الاشتعال والذوبان ثمّ أخذت في التبرّد من تسلّط عوامل البرودة ، وكانت تنزل عليها أمطار غزيرة وتجري عليها السيول وتتكوّن فيها بحار الأنوار ، ثمّ حدثت تراكيب مائيّة وأرضيّة فحدثت النباتات المائيّة ، ثمّ حدثت بتكامل النبات واشتمالها على‏ جراثيم الحياة السمك وسائر الحيوان المائيّ ، ثمّ السمك الطائر ذو الحياتين ، ثمّ الحيوان البرّيّ ، ثمّ الإنسان ، كلّ ذلك بتكامل عارض للتركيب الأرضيّ الموجود في المرتبة السابقة يتحوّل به التركيب في صورته إلَى المرتبة اللاحقة ؛ فالنبات ثمّ الحيوان المائيّ ثمّ الحيوان ذو الحياتين ثمّ الحيوان البرّيّ ثمّ الإنسان علَى الترتيب . هذا .
كلّ ذلك لما يشاهد من الكمال المنظّم في بنيتها نظم المراتب الآخذة من النقص إلَى الكمال ، ولما يعطيه التجريب في موارد جزئيّة التطوّر .
وهذه فرضيّة افترضت لتوجيه ما يلحق بهذه الأنواع من الخواصّ والآثار من غير قيام دليل عليها بالخصوص ونفي ما عداها ، مع إمكان فرض هذه الأنواع متبائنة من غير اتّصال بينها بالتطوّر وقصر التطوّر على‏ حالات هذه الأنواع دون ذواتها وهي التي جرى‏ فيها التجارب ؛ فإنّ التجارب لم يتناول فرداً من أفراد هذه الأنواع تحوّل إلى‏ فرد من نوع آخر كقردة إلى‏ إنسان ، وإنّما يتناول بعض


ميزان الحکمه المجلد الثامن
306

إلّا عِبادَكَ مِنهُمُ المُخْلَصينَ)1 حيث أبدل ما ذكره مفرداً أوّلاً من الجمع ثانياً .
ويردّه - مضافاً إلى‏ كونه على‏ خلاف ظاهر ما نقلناه من الآيات - ظاهرُ قوله تعالى‏ - بعد سرد قصّة آدم وسجدة الملائكة وإباء إبليس - في سورة الأعراف : (يا بَني آدمَ لايَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيطانُ كَما أخْرَجَ أبَوَيْكُم مِنَ الجَنّةِ يَنزِعُ عَنهُما لِباسَهُما لِيُريَهُما سَوْآتِهِما)2 فظهور الآية في شخصيّة آدم ممّا لاينبغي أن يُرتاب فيه .
وكذا قوله تعالى‏ : (وإذ قُلنا لِلمَلائكةِ اسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلّا إبليسَ قالَ أأسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً * قالَ أرأيتَكَ هذا الّذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أخَّرْتَنِ إلى‏ يَومِ القِيامَةِ لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلّا قَليلاً)3 وكذا الآية المبحوث عنها : (يا أيُّها النّاسُ اتَّقوا ربَّكُمُ الّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وبَثَّ مِنهُما رِجالاً كثيراً ونِساءً...) الآية بالتقريب الذي مرّ بيانه .
فالآيات - كما ترى‏ - تأبى أن يسمَّى الإنسان آدم باعتبار وابن آدم باعتبار آخر ، وكذا تأبى‏ أن تنسب الخلقة إلَى التراب باعتبار وإلَى النطفة باعتبار آخر ، وخاصّة في مثل قوله تعالى‏ :(إنّ مَثَلَ عيسى‏ عِندَاللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكونُ...) الآية ؛ وإلّا لم يستقم استدلال الآية على‏ كون خلقة عيسى‏ خلقة استثنائيّة ناقضة للعادة الجارية . فالقول بآدم النوعيّ في حدّ التفريط ، والإفراط الذي يقابله قول بعضهم : إنّ القول بخلق أزيد من آدم واحد كفر . ذهب إليه زين العرب من علماء أهل السنّة .4

كلام في أنّ الإنسان نوع مستقلّ غير متحوّل من نوع آخر :

الآيات السابقة تكفي مؤونة هذا البحث ؛ فإنّها تنهي هذا النسل الجاري بالنطفة إلى‏ آدم وزوجته وتبيّن أ نّهما خلقا من تراب ، فالإنسانيّة تنتهي إليهما وهما لايتّصلان بآخر يماثلهما

1.ص : ۷۵ - ۸۳ .

2.الأعراف : ۲۷ .

3.الإسراء : ۶۱ ، ۶۲ .

4.الميزان في تفسير القرآن : ۴/۱۴۱ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 155021
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي