317
ميزان الحکمه المجلد الثامن

فخرج وخرجوا وساروا إلى‏ أن وافوا هذا الإقليم الذي سمّي بابليون . فرأوا النيل ورأوا واديا خالياً من ساكن ، فوقف إدريس علَى النيل وسبّح اللَّه وقال لجماعته : بابليون ، واختلف في تفسيره فقيل : نهر كبير ، وقيل : نهر كنهركم ، وقيل : نهرمبارك ، وقيل : إنّ «يون» في السُّريانيّة مثل أفعل التي للمبالغة في كلام العرب ، وكأنّ معناه نهر أكبر ، فسمّي الإقليم عند جميع الاُمم بابليون ، وسائر فرق الاُمم على‏ ذلك إلّا العرب؛ فإنّهم يسمّونه إقليم مصر نسبةً إلى‏ مصر بن حام النازل به بعد الطوفان ، واللَّه أعلم بكلّ ذلك .
وأقام إدريس ومن معه بمصر يدعو الخلائق إلَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة اللَّه عَزَّوجلَّ ، وتكلّم الناس في أيّامه باثنين وسبعين لساناً ، وعلّمه اللَّه عَزَّوجلَّ منطقهم ليعلّم كلّ فرقة منهم بلسانها ، ورسم لهم تمدين المدن ، وجمع له طالبي العلم بكلّ مدينة فعرّفهم السياسة المدنيّة وقرّر لهم قواعدها ، فبنت كلّ فرقة من الاُمم مدناً في أرضها ، وكانت عدّة المدن التي اُنشئت في زمانه مائة مدينة وثماني وثمانين مدينة أصغرها الرها ، وعلّمهم العلوم.
وهوأوّل من استخرج الحكمة وعِلم النجوم ؛ فإنّ اللَّه عَزَّوجلَّ أفهمه سرّ الفلك وتركيبه ونقط اجتماع الكواكب فيه وأفهمه عدد السنين والحساب، ولولا ذلك لم تصل الخواطر باستقرائها إلى‏ ذلك .
وأقام للاُمم سُنناً في كلّ إقليم تليق كلّ سنّة بأهلها ، وقسّم الأرض أربعة أرباع ، وجعل على‏ كلّ ربع ملكاً يسوس أمر المعمور من ذلك الربع ، وتقدّم إلى‏ كلّ ملك بأن يلزم أهل كلّ ربع بشريعة سأذكر بعضها . وأسماء الأربعة الملوك الذين ملكوا : الأوّل إيلاوس وتفسيره الرحيم ، والثاني اوس ، والثالث سقلبيوس ، والرابع


ميزان الحکمه المجلد الثامن
316

رفعه مكاناً عليّاً ...
ويسمّى‏ عليه السلام ب «هرمس» ، قال القفطيّ في كتاب إخبار العلماء بأخبار الحكماء في ترجمة إدريس : اختلف الحكماء في مولده ومنشئه وعمّن أخذ العلم قبل النبوّة فقالت فرقة : ولد بمصر وسمّوه هِرمِس الهرامسة ، ومولده بمنف ، وقالوا : هو باليونانيّة إرميس وعُرِّب ب «هرمس» ، ومعنى‏ إرميس : عطارد .
وقال آخرون : اسمه باليونانيّة طرميس ، وهو عند العَبرانيّين خَنوخ ، وعُرِّب : اُخنوخ ، وسمّاه اللَّه عَزَّوجلَّ في كتابه العربيّ المبين : إدريس .
وقال هؤلاء : إنّ معلّمه اسمه الغوثاذيمون وقيل : أغثاذيمون المصريّ . ولم يذكروا من كان هذا الرجل ، إلّا أ نّهم قالوا : إنّه أحد الأنبياء اليونانيّين والمصريّين . وسمّوه أيضاً اُورين الثاني ، وإدريس عندهم اُورين الثالث . وتفسير غوثاذيمون السعيد الجَدّ ؛ وقالوا : خرج هرمس من مصر وجاب الأرض كلّها ثمّ عاد إليها ورفعه اللَّه إليه بها ، وذلك بعد اثنين وثمانين سنة من عمره .
وقالت فرقة اُخرى‏ : إنّ إدريس ولد ببابل ونشأ بها وأ نّه أخذ في أوّل عمره بعلم شيث بن آدم وهو جدّ جدّ أبيه ؛ لأنّ إدريس ابن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث . قال الشهرستانيّ : إنّ أغثاذيمون هو شيث .
ولمّا كبر إدريس آتاه اللَّه النبوّة ، فنهَى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث ، فأطاعه أقلّهم وخالفه جلّهم ، فنوَى الرِّحلة عنهم وأمر من أطاعه منهم بذلك ، فثقل عليهم الرحيل من أوطانهم فقالوا له : وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل ؟ - وبابل بالسُّريانيّة النهر ، وكأنّهم عنوا بذلك دجلة والفرات - فقال : إذا هاجرنا للَّه رزقنا غيره .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 154955
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي