325
ميزان الحکمه المجلد الثامن

عليهم ، حتّى‏ استنصر ربّه (سورة العنكبوت) فأوحى إليه ربّه أ نّه لن يؤمن من قومه إلّا من قد آمن وعزّاه فيهم (سورة هود) ، فدعا عليهم بالتبار والهلاك وأن يُطهِّر اللَّه الأرض منهم عن آخرهم (سورة نوح) ، فأوحَى اللَّه إليه أن اصنع الفُلك بأعيننا ووحينا (سورة هود) .

صنعه عليه السلام الفلك :

أمره اللَّه تعالى‏ أن يصنع الفلك بتأييده سبحانه وتسديده فأخذ في صنعها ، وكان القوم يمرّون عليه طائفة بعد طائفة فيسخرون منه وهو يصنعها على‏ بسيط الأرض من غير ماء ، ويقول عليه السلام : (إنْ تَسْخَروا مِنّا فإنّا نَسْخَرُ مِنكُم كَما تَسْخَرونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمونَ مَن يَأتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ ويَحِلُّ عَلَيهِ عَذابٌ مُقيمٌ)۱ (سورة هود) ، وقد نصب اللَّه لنزول العذاب عَلَماً وهو أن يفور الماء من التنّور (سورتا هود والمؤمنون) .

نزول العذاب ومجي‏ء الطوفان :

حتّى‏ إذا تمّت صنعة الفلك وجاء أمر اللَّه وفار التنّور أوحَى اللَّه تعالى‏ إليه أن يحمل في السفينة من كلٍّ من الحيوان زوجَين اثنَين ، وأن يحمل أهله إلّا من سبق عليه القول الإلهيّ بالغرق وهو امرأته الخائنة وابنه الذي تخلّف عن ركوب السفينة ، وأن يحمل الذين آمنوا (سورتا هود والمؤمنون) ، فلمّا حملهم وركبوا جميعاً فتح اللَّه أبواب السماء بماء منهمر وفجّر الأرض عيوناً فالتقَى الماء على‏ أمر قد قُدِر (سورة القمر) وعلا الماءُ وارتفعت السفينة عليه وهي تسير في موج كالجبال (سورة هود) فأخذ الناسَ الطوفان وهم ظالمون ، وقد أمره اللَّه تعالى‏ إذا استوى هو ومن معه علَى الفلك أن يحمداللَّه على‏ ما نجّاه من القوم‏الظالمين ، وأن يسأله البركة في نزوله فيقول : الحمد للَّه الذي نجّانا من القوم الظالمين ، ويقول : رَبِّ أنزِلني مُنزَلاً مبارَكاً وأنت خير المُنزِلين .

1.هود : ۳۸ و ۳۹ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
324

وتباعدت الطبقات ؛ فصار الأقوياء بالأموال والأولاد يضيّعون حقوق الضعفاء ، والجبابرة يستضعفون مَن دونهم ويحكمون عليهم بما تهواه أنفسهم (الأعراف - هود - نوح) .
فبعث اللَّه نوحاً عليه السلام وأرسله إليهم بالكتاب والشريعة يدعوهم إلى‏ توحيد اللَّه سبحانه وخلع الأنداد والمساواة فيما بينهم (البقرة : 213) بالتبشير والإنذار .

دينه وشريعته عليه السلام :

كان عليه السلام يدعوهم إلى‏ توحيد اللَّه سبحانه ورفض الشركاء (كما يظهر من جميع قصصه القرآنية) والإسلام للَّه (كما يظهر من سورتَي نوح ويونس وسورة آل عمران آية 19) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (كما يظهر من سورة هود آية 27) والصلاة (كما يظهر من آية 103 من سورة النساء وآية 8 من سورة الشورى‏) والمساواة والعدالة وأن لايقربوا الفواحش والمنكرات وصدق الحديث والوفاء بالعهد (سورة الأنعام آية 151 ، 152) وهو عليه السلام أوّل من حُكي عنه في القرآن التسمية باسم اللَّه في الاُمور الهامّة (سورة هود آية 41 ) .

اجتهاده عليه السلام في دعوته :

وكان عليه السلام يدعو قومه إلَى الإيمان باللَّه وآياته ، ويبذل في ذلك غاية وسعه ؛ فيندبهم إلَى الحقّ ليلاً ونهاراً وإعلاناً وإسراراً ، فلا يجيبونه إلّا بالعناد والاستكبار ، وكلّما زاد في دعائهم زادوا في عتوّهم وكفرهم ، ولم يؤمن به غير أهله وعدّة قليلة من غيرهم ؛ حتّى‏ أيس من إيمانهم وشكا ذلك إلى‏ ربّه وطلب منه النصر (سورة نوح والقمر والمؤمنون) .

لبثه عليه السلام في قومه :

لبث عليه السلام في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاماً يدعوهم إلَى اللَّه سبحانه ، فلم يجيبوه إلّا بالهزء والسخرية ورميه بالجنون وأ نّه يقصد به أن يتفضّل

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182050
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي