327
ميزان الحکمه المجلد الثامن

فوجد نوح عليه السلام وحزن فنادى ربّه من وجده قائلاً : ربِّ إنّ ابني من أهلي وإنّ وعدك الحقّ وعدتني بإنجاء أهلي وأنت أحكم الحاكمين ، لا تجور في حكمك ، ولا تجهل في قضائك ، فما الذي جرى‏ علَى ابني ؟ فأخذته العناية الإلهيّة وحالت بينه وبين أن يصرّح بالسؤال في نجاة ابنه - وهو سؤال لما ليس له به علم - وأوحَى اللَّه إليه : (يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح)۱ ، فإيّاك أن تواجهني فيه بسؤال النجاة فيكون سؤالاً فيما ليس لك به علم ، إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين .
فانكشف الأمر لنوح عليه السلام والتجأ إلى‏ ربّه تعالى‏ قائلاً : ربّ إنّي أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ، أسألك أن تشملني بعنايتك وتستر عليَّ بمغفرتك ، وتعطف عليَّ برحمتك ، ولولا ذلك لكنت من الخاسرين .

خصائص نوح عليه السلام :

هو عليه السلام أوّل اُولي العزم سادة الأنبياء ، أرسله اللَّه إلى‏ عامّة البشر بكتاب وشريعة ، فكتابه أوّل الكتب السماويّة المشتملة على‏ شرائع اللَّه ، وشريعته أوّل الشرائع الإلهيّة .
وهو عليه السلام الأب الثاني للنسل الحاضر من الإنسان ، إليه ينتهي أنسابهم والجميع ذرّيّته لقوله تعالى‏ : (وجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقِينَ)۲ وهو عليه السلام أبو الأنبياء المذكورين في القرآن ما عدا آدم وإدريس عليهما السلام ، قال تعالى‏ : (وتَرَكْنا عَلَيهِ في الآخِرينَ) .۳
وهو عليه السلام أوّل من فتح باب التشريع وأتى‏ بكتاب وشريعة ، وكلّم الناس بمنطق العقل وطريق الاحتجاج مضافاً إلى‏ طريق الوحي ، فهو الأصل الذي ينتهي إليه دين التوحيد في العالم ، فله المنّة على‏ جميع الموحّدين إلى‏ يوم القيامة ، ولذلك خصّه اللَّه

1.هود : ۴۶ .

2.الصافّات : ۷۷ .

3.الصافّات: ۷۸ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
326

قضاء الأمر ونزوله ومن‏معه عليه السلام إلَى‏الأرض:

فلمّا عمّ الطوفان وأغرق الناس (كما يظهر من سورة الصافّات آية 77) أمر اللَّه الأرض أن تبلع ماءها والسماء أن تقلع وغِيضَ الماء و استوت السفينة على‏ جبل الجُوديّ وقيل : بُعداً للقوم الظالمين ، واُوحي إلى‏ نوح عليه السلام أن اهبط إلَى الأرض بسلام منّا وبركات عليك و على‏ اُمم ممّن معك فلا يأخذهم بعد هذا طوفان عام ، ومنهم اُمم سيمتّعهم اللَّه بأمتعة الحياة ثمّ يمسّهم عذاب أليم ، فخرج هو ومن معه ونزلوا الأرض يعبدون اللَّه بالتوحيد والإسلام ، وتوارثت ذرّيّته عليه السلام الأرض وجعل اللَّه ذرّيته هم الباقين (سورتا هود والصافّات) .

قصّة ابن نوح الغريق :

كان نوح عليه السلام عندما ركب السفينة لم يركبها واحد من أبنائه ، وكان لا يصدّق أباه في أنّ من تخلّف عنها فهو غريق لا محالة ، فرآه أبوه وهو في معزل فناداه : يا بنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ، فردّ على‏ أبيه قائلاً : سآوي الى‏ جبل يعصمني من الماء ، قال نوح عليه السلام : لا عاصم اليوم من اللَّه إلّا من رحم - يريد أهل السفينة - فلم يلتفت الابن إلى‏ قوله وحال بينهما الموج فكان من المُغرَقين .
ولم يكن نوح عليه السلام يعلم منه إبطان الكفر كما كان يعلم ذلك من امرأته ، ولو كان علم ذلك لم يحزنه أمره وهو القائل في دعائه : (رَبِّ لاتَذَرْ علَى الأرضِ مِن الكافِرينَ دَيّاراً * إنّكَ إنْ تَذَرْهُم يُضِلّوا عِبادَكَ ولا يَلِدوا إلّا فاجِراً كَفّاراً)۱الدعاء ، وهُو القائلُ : (فافْتَحْ بَيْني وبَيْنَهُم فَتْحاً ونَجِّني وَمن مَعي مِنَ المُؤمِنينَ)۲ وقد سمع قوله تعالى‏ فيما أوحى‏ إليه : (ولا تُخاطِبْني في الّذينَ ظَلَموا إنّهُمْ مُغْرَقونَ) .۳

1.نوح : ۲۶ ، ۲۷ .

2.الشعراء : ۱۱۸ .

3.هود : ۳۷ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182613
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي