335
ميزان الحکمه المجلد الثامن

فأنزل اللَّه عليهم العذاب ، وأرسل إليهم الريح العقيم ما تذر من شي‏ء أتت عليه إلّا جعلته كالرميم (الذاريات : 42) ريحاً صرصراً في أيّام نَحِسات سبع ليالٍ وثمانية أيّام حُسوماً فتَرى القوم فيها صرعى‏ كأنّهم أعجاز نخل خاوية (الحاقّة : 7) وكانت تنزِع الناس كأنّهم أعجاز نخل منقعر (القمر : 20) .
وكانوا بادئ ما رأوه عارضاً مُستقبِلَ أوديتهم استبشروا وقالوا : عارِضٌ مُمطِرنا ! وقد أخطؤوا ، بل كان هو الذي استعجلوا به : ريح فيها عذاب أليم تدمّر كلّ شي‏ء بأمر ربِّها ، فأصبحوا لايُرى‏ إلّا مساكنهم (الأحقاف : 25) ، فأهلكهم اللَّه عن آخرهم وأنجى‏ هوداً والذين آمنوا معه برحمة منه (هود : 58) .

2 - شخصيّة هود عليه السلام المعنويّة:

وأمّا هود عليه السلام فهو من قوم عاد وثاني الأنبياء الذين انتهضوا للدفاع عن الحقّ ودحض الوثنيّة ممّن ذكر اللَّه قصّته وما قاساه من المحنة والأذى‏ في جنب اللَّه سبحانه ، وأثنى‏ عليه بما أثنى على‏ رسله الكرام وأشركه بهم في جميل الذكر عليه سلام اللَّه .۱

1.الميزان في تفسير القرآن : ۱۰/۳۰۷ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
334

قصّتهم هو أنّ عاداً - وربّما يسمّيهم عاداً الاُولى‏ (النجم : 50) وفيه إشارة إلى‏ أنّ هناك عاداً ثانية - كانوا قوماً يسكنون الأحقاف‏۱ من شبه جزيرة العرب (الأحقاف : 21) بعد قوم نوح (الأعراف : 69) .
كانت لهم أجساد طويلة (القمر : 20 ، الحاقّة : 7) وكانوا ذوي بسطة في الخَلق (الأعراف : 69) اُولي قوّة وبطش شديد (فصّلت: 15، الشعراء: 130) وكان لهم تقدّم ورُقيّ في المدنيّة والحضارة ، لهم بلاد عامرة وأراضٍ خصبة ذات جنّات ونخيل وزروع ومقام كريم (الشعراء وغيرها) ، وناهيك في رُقيّهم وعظيم مدنيّتهم قوله تعالى‏ في وصفهم : (ألَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ * إرَمَ ذاتِ العِمادِ * الّتي لَم يُخلَقْ مِثْلُها في البِلادِ) .۲
لم يزل القوم يتنعّمون بنعمة اللَّه حتّى‏ غيّروا ما بأنفسهم ، فتعرّقت فيهم الوثنيّة وبنَوا بكلّ رِيع آيةً يَعبثون ، واتّخَذوا مصانع لعلّهم يخلدون ، وأطاعوا طغاتهم المستكبرين ، فبعث اللَّه إليهم أخاهم هوداً يدعوهم إلَى الحقّ ويرشدهم إلى‏ أن يعبدوا اللَّه ويرفضوا الأوثان ويعملوا بالعدل والرحمة (الشعراء : 130) فبالغ في وعظهم وبثّ النصيحة فيهم ، وأنار الطريق وأوضح السبيل ، وقطع عليهم العذر ، فقابلوه بالإباء والامتناع ، وواجهوه بالجحد والإنكار ، ولم يؤمن به إلّا شرذمة منهم قليلون ، وأصرّ جمهورهم علَى البغي والعناد ، ورموه بالسفه والجنون ، وألحّوا عليه بأن ينزِّل عليهم العذاب الذي كان ينذرهم ويتوعّدهم به ، قال : (إنّما العِلْمُ عِندَ اللَّهِ واُبلّغُكُم ما اُرْسِلْتُ بهِ ولِكنّي أراكُمْ قَوْماً تَجْهَلونَ) .۳

1.الأحقاف : جمع حِقْف : من الرمل، والعرب تسمّي الرمل المعوّج حقافاً ... ، والأحقاف المذكور في الكتاب العزيز وادٍ بين عُمان وأرض مهرة ، قال ابن إسحاق : رمال فيما بين عُمان إلى‏ حضرموت ، وقال قتادة : الأحقاف : رمال مشرفة علَى البحر بالشحر من أرض اليمن . وقال الضحّاك : الأحقاف جبل بالشام . (معجم البلدان : ۱/۱۱۵) .

2.الفجر : ۶ - ۸ .

3.الأحقاف : ۲۳ .

عدد المشاهدين : 182227
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي