349
ميزان الحکمه المجلد الثامن

بإسماعيل وبإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، وقد شاخ وبلغه كبر السنّ فولد له إسماعيل ثمّ ولد له إسحاق ، وبارك اللَّه سبحانه فيه وفي ولدَيه وأولادهما .
ثمّ إنّه عليه السلام بأمر من ربّه ذهب إلى‏ أرض مكّة - وهي وادٍ غير ذي زرع - فأسكن فيه ولده إسماعيل وهو صبيّ ورجع إلَى الأرض المقدّسة ، فنشأ إسماعيل هناك ، واجتمع عليه قوم من العرب القاطنين هناك ، وبُنيت بذلك بلدة مكّة .
وكان عليه السلام ربّما يزور إسماعيل في أرض مكّة ، قبل بناء مكّة والبيت وبعد ذلك (البقرة : 126 ، إبراهيم : 35 - 41) . ثمّ بنى‏ بها الكعبة البيت الحرام ، بمشاركة من إسماعيل . وهي أوّل بيت وُضع للناس من جانب اللَّه مباركاً وهُدىً للعالمين، فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً (البقرة : 127 - 129 ، آل عمران : 96، 97) وأذّنَ في الناس بالحجّ ، وشرّع نسك الحجّ (الحجّ : 26 - 30) .
ثمّ أمره اللَّه بذبح ولده إسماعيل عليه السلام فخرج معه للنُّسك، فلمّا بلغ معه السعي قال : يا بُنيّ إنّي أرى‏ في المنام أ نّي أذبحك ، قال : يا أبتِ افعلْ ما تُؤمر ستجدني إن شاء اللَّه من الصابرين ، فلمّا أسلما وتَلَّه للجبين نودي أن : يا إبراهيم ، قد صدّقتَ الرؤيا ، وفداه اللَّه سبحانه بذِبح عظيم (الصافّات : 101 - 107) .
وآخِر ما قصّ القرآن الكريم من قصصه عليه السلام أدعيته في بعض أيّام حضوره بمكّة ، المنقولة في سورة إبراهيم (آية 35 - 41) وآخِر ما ذكر فيها قوله عليه السلام : (ربَّنا اغْفِرْ لِي ولِوالِدَيَّ ولِلمُؤمِنينَ يَومَ يَقُومُ الحِسابُ) .

منزلة إبراهيم عليه السلام عند اللَّهِ سبحانه وموقفه العبوديّ :

أثنَى اللَّه تعالى على‏ إبراهيم عليه السلام في كلامه أجمل ثناء ، وحمد محنته في جنبه أبلغ الحمد ، وكرّر ذكره باسمه


ميزان الحکمه المجلد الثامن
348

أنفسهم ، فقالوا : إنّكم أنتم الظالمون ، ثمّ نُكِسوا على‏ رؤوسهم ، لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون ، قال : أفتعبدون من دون اللَّه مالا يضرّكم ولاينفعكم ؟ ! اُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون اللَّه ، أفلا تعقلون ؟ ! أتعبدون ما تنحتون واللَّه خلقكم وما تعملون ؟ !
قالوا : حَرِّقوه وانصروا آلهتكم ، فبنوا له بنياناً وأسعروا فيه جحيماً من النار ، وقد تشارك في أمره الناس جميعاً وألقوه في الجحيم ، فجعله اللَّه بَرداً عليه وسلاماً وأبطل كيدهم (الأنبياء : 57 - 70 ، الصافّات : 88 - 98) وقد اُدخل في خلال هذه الأحوال علَى الملك ، وكان يعبده القوم ويتّخذونه ربّاً ، فحاجّ إبراهيم في ربّه ، فقال إبراهيم : ربّي الذي يحيي ويميت ، فغالطه الملك وقال : أنا اُحيي واُميت كقتل الأسير وإطلاقه ، فحاجّه إبراهيم بأصرح ما يقطع مغالطته فقال : إنّ اللَّه يأتي بالشمس من المشرق فأْت بها من المغرب ، فبهت الذي كفر (البقرة : 258) .
ثمّ لمّا أنجاه اللَّه من النار أخذ يدعو إلَى الدين الحنيف دين التوحيد ، فآمن له شرذمة قليلة ، وقد سمّى اللَّه تعالى‏ منهم لوطاً ومنهم زوجته التي هاجر بها ، وقد كان تزوّج بها قبل الخروج من الأرض إلَى الأرض المقدّسة .۱
ثمّ تبرّأ هو عليه السلام ومن معه من المؤمنين من قومهم ، وتبرّأ هو من آزر الذي كان يدعوه أباً ولم يكن بوالده الحقيقيّ‏۲
، وهاجر ومعه زوجته ولوط إلَى الأرض المقدّسة ليدعو اللَّه سبحانه من غير معارض يعارضه من قومه الجفاة الظالمين (الممتحنة : 4 ، الأنبياء : 71). وبشّره اللَّه سبحانه هناك

1.الدليل على‏ إيمان جمع من قومه به قوله تعالى‏ : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ‏اُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إبراهِيمَ والَّذِينَ مَعَهُ إذْ قالُوا لِقَومِهِمْ إنّا بُرَآءُمِنْكُم) (الممتحنة : ۴) . والدليل على‏ تزوّجه قبل الخروج إلَى‏الأرض المقدّسة سؤاله الولدَ الصالح من ربّه في قوله : (وَقالَ‏إنّي ذاهِبٌ إلى‏ رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحينَ) (الصافّات : ۹۹ ، ۱۰۰). (كما في هامش المصدر) .

2.وقد تقدّم استفادة ذلك من دعائه‏المنقول في‏سورة إبراهيم.(كمافي هامش المصدر).

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 179813
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي