351
ميزان الحکمه المجلد الثامن

وليراجع في تفسير كلّ من مقاماته المذكورة إلى‏ ما شرحناه في الموضع المختصّ به فيما تقدّم أو سنشرحه إن شاء اللَّه تعالى‏ ؛ فالاشتغال به هاهنا يخرجنا عن الغرض المعقود له هذه الأبحاث .
وقد حفظ اللَّه سبحانه حياته الكريمة وشخصيّته الدينيّة بما سمّى‏ هذا الدِّين القويم بالإسلام كما سمّاه عليه السلام ونسبه إليه ، قال تعالى‏ : (مِلّةَ أبيكُمْ إبراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ المُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ)۱ وقال : (قُل إنَّنِي هَدانِي رَبِّي إلى‏ صِراطٍ مُسْتَقيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إبْراهِيمَ حَنِيفاً وما كانَ مِنَ المُشرِكينَ) .۲
وجعل الكعبة البيت الحرام الذي بناها قِبلةً للعالمين ، وشرّع مناسك الحجّ وهي في حقيقة أعمال ممثّلة لقصّة إسكانه ابنَه واُمّ ولده وتضحية ابنه إسماعيل وما سعى‏ به إلى‏ ربّه والتوجّه له وتحمّل الأذى‏ والمحنة في ذاته ، كما تقدّمت الإشارة إليه في تفسير قوله تعالى‏ : (وإذْ جَعَلْنا البَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ ...)۳ الآية في الجزء الأوّل من الكتاب .

أثره المبارك في المجتمع البشريّ :

ومن مِننه عليه السلام السابغة أنّ دين التوحيد ينتهي إليه أينما كان وعند من كان ؛ فإنّ الدين المنعوت بالتوحيد اليوم هو دين اليهود ، وينتهي إلَى الكليم موسَى بن عمران عليه السلام وينتهي نسبه إلى‏ إسرائيل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ، ودين النصرانيّة وينتهي إلَى المسيح عيسَى بن مريم عليهما السلام وهو من ذرّيّة إبراهيم عليه السلام ، ودين الإسلام والصادع به هو محمّد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وينتهي نسبه إلى‏ إسماعيل الذبيح ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام ؛ فدين التوحيد في الدنيا أثره الطيّب المبارك ، ويشاهد في الإسلام من شرائعه الصلاة والزكاة والحجّ ، وإباحة لحوم الأنعام ، والتبرّي من أعداء اللَّه ، والسلام ، والطهارات العشر الحنيفيّة البيضاء ؛ خمس‏۴ منها

1.الحجّ : ۷۸ .

2.الأنعام : ۱۶۱ .

3.البقرة : ۱۲۵ .

4.رواها في مجمع البيان نقلاً عن تفسير القمّي .(كما في هامش المصدر).


ميزان الحکمه المجلد الثامن
350

في نيف وستّين موضعاً من كتابه ، وذكر من مواهبه ونعمه عليه شيئاً كثيراً . وهاك جملاً من ذلك : آتاه اللَّه رشده من قبل (الأنبياء : 51) واصطفاه في الدنيا وإنّه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربّه : أسلم قال : أسلمت لربّ العالمين (البقرة : 130 ، 131) وهو الذي وجّه وجهه إلى‏ ربّه حنيفاً وما كان من المشركين (الأنعام : 79) وهو الذي اطمأنّ قلبه باللَّه وأيقن به بما أراه اللَّه من ملكوت السماوات والأرض (البقرة : 260 ، الأنعام : 75) .
واتّخذه اللَّه خليلاً (النساء : 125) وجعل رحمته وبركاته عليه وعلى‏ أهل بيته ووصفه بالتَّوفية (النجم : 37) ومدحه بأنّه حليم أوّاه منيب (هود: 73 - 75) ومدحه أ نّه كان اُمّةً قانتاً للَّه حنيفاً ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى‏ صراط مستقيم وآتاه في الدنيا حسنة وإنّه في الآخرة لمن الصالحين (النحل : 120 - 122) .
وكان صدّيقاً نبيّاً (مريم : 41) وعدّه اللَّه من عباده المؤمنين ومن المحسنين وسلّم عليه (الصافّات : 83 - 111) وهو من الذين وصفهم بأنّهم اُولو الأيدي والأبصار وأ نّه أخلصهم بخالصةٍ ذكرى‏ الدار (ص : 45 ، 46) وقد جعله اللَّه للناس إماماً (البقرة : 124) وجعله أحد الخمسة اُولي العزم الذين آتاهم الكتاب والشريعة (الأحزاب : 7 ، الشورى‏ : 13 ، الأعلى‏ : 18 ، 19) وآتاه اللَّه العلم والحكمة والكتاب والملك والهداية وجعلها كلمة باقية في عقبه (النساء : 54 ، الأنعام : 74 - 90 ، الزخرف : 28) وجعل في ذرّيّته النبوّة والكتاب (الحديد : 26) وجعل له لسان صدق في الآخرين (الشعراء : 84 ، مريم : 50) .
فهذه جُمل ما منحه اللَّه سبحانه من المناصب الإلهيّة ومقامات العبوديّة ، ولم يفصّل القرآن الكريم في نعوت أحد من الأنبياء والرسل المكرمين وكراماتهم ما فصّل من نعوته وكراماته عليه السلام .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 179621
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي