357
ميزان الحکمه المجلد الثامن

المُخْرَجينَ)1 و (قالوا أخْرِجوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُم إنّهُمْ اُناسٌ يَتَطَهَّرونَ) .2

2 . عاقبة أمرهم :

لم يَزَل لوط عليه السلام يدعوهم إلى‏ سبيل اللَّه وملازمة سنّة الفطرة وترك الفحشاء وهم يصرّون على‏ عمل الخبائث ، حتَّى استقرّ بهم الطغيان وحقّت عليهم كلمة العذاب ، فبعث اللَّه رسلاً من الملائكة المكرّمين لإهلاكهم ، فنزلوا أوّلاً على‏ إبراهيم عليه السلام وأخبروه بما أمرهم اللَّه به من إهلاك قوم لوط ، فجادلهم إبراهيم عليه السلام لعلّه يردّ بذلك عنهم العذاب ، وذكّرهم بأنّ فيهم لوطاً ، فردّوا عليه بأنّهم أعلم بموقع لوط وأهله ، وأ نّه قد جاء أمر اللَّه وأنّ القوم آتيهم عذاب غير مردود (العنكبوت : 32 ، هود : 76 ».
فمضَوا إلى لوط في صُوَرِ غِلمان مُرد ودخلوا عليه ضيفاً ، فشقّ ذلك على‏ لوط وضاق بهم ذرعاً؛ لِما كان يعلم من قومه أ نّهم سيتعرّضون لهم وأ نّهم غير تاركيهم البتّة ، فلم يلبث دون أن سمع القوم بذلك وأقبلوا يُهرَعون إليه وهم يستبشرون ، وهجموا على‏ داره ، فخرج إليهم وبالغ في‏وعظهم واستثارة فُتوّتهم ورشدهم حتّى‏ عرض عليهم بناته ، وقال : يا قوم ، إنّ هؤلاء بناتي هنّ أطهر لكم، فاتّقوا اللَّه ولا تخزوني في ضيفي . ثمّ استغاث وقال : أليس منكم رجل رشيد ؟ ! فردّوا عليه أ نّه ليس لهم في بناته إربة ، وأ نّهم غير تاركي أضيافه البتّة ، حتّى‏ أيس لوط و قال : (لَوْ أنّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أو آوِي إلى‏ رُكْنٍ شَديدٍ) .۳
قالت الملائكة عند ذلك : يا لوط إنّا رسل ربّك ، طِب نفساً إنّ القوم لن يصلوا إليك . فطمسوا أعين القوم فعادوا عمياناً يتخبّطون وتفرّقوا (القمر : 37) .
ثمّ أمروا لوطاً عليه السلام أن يسري بأهله من ليلته بقطع من الليل ويتّبع

1.الشعراء : ۱۶۷ .

2.النمل : ۵۶ .

3.هود : ۸۰ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
356

ثُمّ قالَ : فأيُّ داءٍ أدْأى‏ مِن البُخلِ ولا أضَرُّ عاقِبَةً ولا أفحَشُ عندَ اللَّهِ تعالى‏ ؟!
فقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ، فهَل كانَ أهلُ قَريَةِ لُوطٍ كلُّهُم هكذا يَعمَلونَ ؟
فقالَ : نَعم إلّا أهلَ بَيتٍ مِنهُم مِن المُسلِمينَ، أما تَسمَعُ لِقولِهِ تعالى‏: (فأخْرَجْنا مَن كانَ فِيها مِن المُؤمِنينَ * فَما وَجَدْنا فِيها غَيرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمينَ)۱؟!۲

۱۹۶۸۶.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : ما بَعَثَ اللَّهُ نَبيّاً بعدَ لُوطٍ إلّا في عِزٍّ مِن قَومِهِ‏۳.۴

كلام في قصّة لوط عليه السلام وقومه في‏فصول :

1 . قصّته عليه السلام وقصة قومه في القرآن :

«كان لوط عليه السلام من كلدان في أرض بابل ومن السابقين الأوّلين ممّن آمن بإبراهيم عليه السلام، آمن به وقال : (إنّي مُهاجِرٌ إلى‏ ربِّي)5، فنجّاه اللَّه مع إبراهيم إلَى الأرض المقدّسة أرضِ فلسطين (الأنبياء : 71) فنزل في بعض بلادها وهي مدينة سَدوم على‏ ما في التواريخ والتوراة وبعض الروايات .
وكان أهل المدينة وما والاها من المدائن - وقد سمّاها اللَّه في كلامه ب «المُؤتَفِكات»(التوبة : 70) - يعبدون الأصنام ، ويأتون بالفاحشة : اللواط ، وهم أوّل قوم شاع فيهم ذلك (الأعراف : 80) حتّى كانوا يأتون به في نواديهم من غير إنكار ، ولم يَزَل تشيع الفاحشة فيهم حتّى‏ عادت سُنّة قوميّة ابتلت به عامّتهم ، وتركوا النساء وقطعوا السبيل (العنكبوت : 29).
فأرسل اللَّه لوطاً إليهم (الشعراء : 162) فدعاهم إلى‏ تقوَى اللَّه وترك الفحشاء والرجوع إلى‏ طريق الفطرة، وأنذرهم وخوّفهم ، فلم يَزِدهم إلّا عُتوّاً ، ولم يكن جوابهم إلّا أن قالوا : ائتِنا بعذاب اللَّه إن كنت من الصادقين ! وهدّدوه بالإخراج من بلدتهم ، وقالوا له : (لَئن لَم تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ

1.الذاريات : ۳۵ و ۳۶ .

2.علل الشرائع : ۵۴۸/۴ .

3.روي في كنز العمّال : ۳۲۳۶۱ عن أبي هريرة : «ما بعث اللَّه بعده نبيّاً إلّا في ثروة من قومه» . والصحيح ما في المتن .

4.بحار الأنوار : ۱۲/۱۵۷/۸ .

5.العنكبوت : ۲۶ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182863
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي