359
ميزان الحکمه المجلد الثامن

۴ . لوط عليه السلام وقومه في التّوراة :
ذكرت التوراة۱ أنّ لوطاً كان ابن أخي أبرام - إبراهيم - هاران بن تارخ ، وكان هو وأبرام في بيت تارخ في اُورالكلدانيّين ، ثمّ هاجر تارخ اُورا قاصداً أرض الكنعانيّين ، فأقام بلدة حاران ومعه أبرام ولوط ومات هناك .
ثمّ إنّ أبرام بأمر من الربّ خرج من حاران ومعه لوط ، ولهما مال كثير وغلمان اكتسبا ذلك في حاران ، فأتى‏ أرض كنعان . وكان يرتحل أبرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب ، ثمّ أتى‏ مصر ، ثمّ صعد من هناك جنوباً نحوبيت إيل فأقام هناك .
ولوط السائر مع أبرام أيضاً كان له غنم وبقر وخيام ، ولم يحتملهما الأرض أن يسكنا ووقعت مخاصمة بين رعاة مواشيهما فتفرّقا فأحذرا من وقوع النزاع والتشاجر؛ فاختار لوط دائرة الاُردنّ وسكن في مدن الدائرة ونقل خيامه إلى‏ سَدوم ، وكان أهل سدوم أشراراً وخُطاة لدى الربّ جدّاً ، ونقل أبرام خيامه وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون .
ثمّ وقعت حرب بين ملوك سَدوم وعَمورة وإدمة وصبوييم وصوغر من جانب ، وأربعة من جيرانهم من جانب ، انهزم فيها ملك سدوم ومن معه من الملوك ، وأخذ العدوُّ جميع أملاك سدوم وعمورة وجميع أطعمتهم ، واُسِر لوط فيمن اُسر وسُبي جميع أمواله . وانتهَى الخبر إلى‏ أبرام ، فخرج فيمن معه من الغلمان - وكانوا يزيدون على‏ ثلاث مائة - فحاربهم وهزمهم ، وأنجى‏ لوطاً وجميع أمواله من الأسر والسبي ، وردّه إلى مكانه الذي كان مقيماً فيه (ملخّص ما في التوراة من صدر قصّة لوط) .
قالت التوراة۲ : وظهر له - لأبرام - الربّ عند بلوطات ممرا وهو جالس

1.الإصحاح الحادي عشر والثاني عشر من سفر التكوين . (كما في هامش المصدر).

2.الإصحاح الثامن عشر من سفر التكوين . (كما في هامش المصدر).


ميزان الحکمه المجلد الثامن
358

أدبارهم ، ولا يلتفت منهم أحد إلّا امرأته ؛ فإنّه مصيبها ما أصابهم . وأخبروه أ نّهم سيُهلكون القوم مصبحين (هود: 81 ، الحِجْر: 66) . فأخذت الصيحةُ القوم مُشرِقين ، وأرسل اللَّه عليهم حجارة من طين مُسوَّمة عند ربّك للمسرفين ، وقلبَ مدائنهم عليهم فجعل عاليَها سافلَها ، وأخرج من كان فيها من المؤمنين فلم يجد فيها غير بيت من المسلمين وهو بيت لوط ، وترك فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم (الذاريات : 37 وغيرها) .
وفي اختصاص الإيمان والإسلام بيت لوط عليه السلام وشمول العذاب لمدائنهم دلالة ، أوّلاً: على‏ أنّ القوم كانوا كفّاراً غير مؤمنين ، وثانياً : على‏ أنّ الفحشاء ما كانت شائعة فيما بين الرجال منهم فحسب ؛ إذ لو كان الأمر على‏ ذلك والنساء بريئات منها وكان لوط يدعو الناس إلَى الرجوع إلى‏ سبيل الفطرة وسنّة الخلقة - التي هي مواصلة الرجال والنساء - لاتّبعته عدّة من النساء واجتمعن حوله وآمنّ به طبعاً ، ولم يذكر من ذلك شي‏ء في كلامه سبحانه . وفي ذلك تصديق ما تقدّم في الأخبار المأثورة أنّ الفحشاء شاعت بينهم ، واكتفَى الرجال بالرجال باللواط ، والنساء بالنساء بالسحق .
۳ . شخصيّة لوط عليه السلام المعنويّة :
كان عليه السلام رسولاً من اللَّه إلى‏ أهل المؤتفكات وهي مدينة سَدوم وما والاها من المدائن ، ويقال : كانت أربع مدائن : سَدوم وعَمورة وصوغر وصبوييم ، وقد أشركه في جميع المقامات الروحيّة التي وصف بها أنبياءه الكرام .
وممّا وصفه به خاصّة ما في قوله : (ولُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وعِلْماً ونَجَّيْناهُ مِن القَرْيَةِ الّتي كانَتْ تَعْمَلُ الخَبائِثَ إنّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقينَ * وأدْخَلْناهُ في رَحْمَتِنا إنّهُ مِنَ الصّالِحينَ) .۱

1.الأنبياء : ۷۴ ، ۷۵ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182821
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي