363
ميزان الحکمه المجلد الثامن

المدينة ، ولمّا توانى‏ أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنَتيه لشفقة الربّ عليه وأخرجاه ، وضعاه خارج المدينة .
وكان لمّا أخرجاهم إلى‏ خارج أ نّه قال : اهربْ لحياتك ، لاتنظرْ إلى‏ ورائك ولاتقف في كلّ الدائرة . اهرب إلَى الجبل لئلّا تهلك . فقال لهما لوط : لا يا سيّد هو ذا عبدك قد وجد نعمة في عينيك وعظّمت لطفك الذي صنعت إليّ باستبقاء نفسي ، وأنا لا أقدر أن أهرب إلَى الجبل ، لعلّ الشرّ يدركني فأموت ، هو ذا المدينة هذه قريبة للهرب إليها ، وهي صغيرة أهرب إلى‏ هناك ، أليست هي صغيره فتحيا نفسي ؟ فقال له : إنّي قد رفعت وجهك في هذا الأمر أيضاً أن لا أقلب المدينة التي تكلّمت عنها ، أسرعْ اهربْ إلى‏ هناك لأ نّي لا أستطيع أن أفعل شيئاً حتّى‏ تجي‏ء إلى‏ هناك ؛ لذلك دعي اسم المدينة صوغر .
وإذا أشرقت الشمس علَى الأرض دخل لوط إلى‏ صوغر ، فأمطر الربّ على‏ سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الربّ من السماء ، وقلب تلك المدن وكلّ الدائرة وجميع سكّان المدن ونبات الأرض ، ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح .
وبكّر إبراهيم في الغد إلى‏ المكان الذي وقف فيه أمام الربّ وتطلّع نحو سدوم وعمورة ونحو كلّ أرض الدائرة ، ونظر وإذا دخان الأرض يصعد كدخان الأتون . وحدث لما أخرب اللَّه مدن الدائرة أنّ اللَّه ذكر إبراهيم . وأرسل لوطاً من وسط الانقلاب حين قلب المدن التي سكن فيها لوط .
وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه ؛ لأ نّه خاف أن يسكن في صوغر ، فسكن في المغارة هو وابنتاه . وقالت البكر للصغيرة : أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كلّ الأرض ، هلمّ نسقي أبانا خمراً ونضطجع معه ،


ميزان الحکمه المجلد الثامن
362

وكان لوط جالساً في باب سدوم ، فلمّا رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلَى الأرض ، وقال : ياسيّديّ مِيلا إلى‏ بيت عبدكما وبِيتا واغسلا أرجلكما ثمّ تبكران وتذهبان في طريقكما ، فقالا : لا بل في الساحة نبيت ، فألحّ عليهما جدّاً ، فمالا إليه ودخلا بيته ، فصنع لهما ضيافة وخبزاً فطيراً فأكلا .
وقبل ما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة رجال سدوم من الحَدَث إلَى الشيخ كلّ الشعب من أقصاها ، فنادوا لوطاً وقالوا له : أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة ؟ أخرِجْهما إلينا لنعرفهما ، فخرج إليهم لوط إلَى الباب وأغلق الباب وراءه ، وقال : لا تفعلوا شرّاً يا إخوتي ، هوذا لي ابنتان لم يعرفا رجلاً اُخرجهما إليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم ، وأمّا هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئاً لأ نّهما قد دخلا تحت ظلّ سقفي .
فقالوا : ابعُدْ إلى‏ هناك . ثمّ قالوا : جاء هذا الإنسان ليتغرّب وهو يحكم حكماً ، الآن نفعل بك شرّاً أكثر منهما ، فألحّوا علَى الرجل لوط جدّاً وتقدّموا ليكسروا الباب ، فمدّ الرجلان أيديهما وأدخلا لوطاً إليهما إلَى البيت ، وأغلقا الباب . وأمّا الرجال الذين على‏ باب البيت فضرباهم بالعمى‏ من الصغير إلَى الكبير ، فعجزوا عن أن يجدوا الباب .
وقال الرجلان للوط : من لك أيضاً هاهنا أصهارك وبنيك وبناتك وكلّ من لك في المدينة اُخرج من المكان ؛ لأ نّنا مهلكان هذا المكان إذ قد عظم صراخهم أمام الربّ ، فأرسلَنا الربّ لنهلكهم . فخرج لوط وكلّم أصهاره الآخذين بناته وقال : قوموا اخرُجوا من هذا المكان ؛ لأنّ الربّ مهلك المدينة ، فكان كمازحٍ في أعين أصهاره .
ولمّا طلع الفجر كان المَلاكان يعجّلان لوطاً قائلين : قم خذ امرأتك وابنَتيك الموجودَتين لئلّا تهلك بإثم

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182766
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي