369
ميزان الحکمه المجلد الثامن

وثانياً : أ نّه كان مؤمناً باللَّه واليوم الآخر ومتديّناً بدين الحقّ ، كما يظهر من قوله : (هذا رَحمَةٌ مِن رَبِّي فإذا جاءَ وَعْدُ ربِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ وكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً)۱ وقوله : (أمّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلى‏ رَبِّهِ فيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً * وأمّا مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحاً...)۲ إلخ . ويزيد في كرامته الدينيّة أنّ قوله تعالى‏ : (قُلْنا يا ذاالقَرْنَينِ إمّا أنْ تُعَذِّبَ وإمّا أنْ تَتَّخِذَ فيهِم حُسْناً)۳ يدلّ على‏ تأييده بوحيٍ أو إلهامٍ أو نبيٍّ من أنبياء اللَّه كان عنده يسدّده بتبليغ الوحي .
وثالثاً : أ نّه كان ممّن جمع اللَّه له خير الدنيا والآخرة ؛ أمّا خير الدنيا فالمُلك العظيم الذي بلغ به مغرب الشمس ومطلعها فلم يقم له شي‏ء، وقد ذلّت له الأسباب . وأمّا خير الآخرة فبسط العدل ، وإقامة الحقّ ، والصفح ، والعفو، والرفق ، وكرامة النفس ، وبثّ الخير ، ودفع الشرّ . وهذا كلّه ممّا يدلّ عليه قوله تعالى‏ : (إنّا مَكَّنّا لَهُ في الأرْضِ وآتَيْناهُ مِن كُلِّ شي‏ءٍ سَبَباً)۴ مضافاً إلى‏ ما يستفاد من سياق القصّة من سيطرته الجسمانيّة والروحانيّة .
ورابعاً : أ نّه صادف قوماً ظالمين بالمغرب فعذّبهم .
وخامساً : أنّ الردم الذي بناه هو في غير مغرب الشمس ومطلعها ؛ فإنّه بعدما بلغ مطلع الشمس أتبع سبباً حتّى‏ إذا بلغ بين السدّين . ومن مشخّصات ردمه - مضافاً إلى‏ كونه واقعاً في غير المغرب والمشرق - أ نّه واقع بين جبلَين كالحائطين ، وأ نّه ساوى بين صدفيهما ، وأ نّه استعمل في بنائه زبر الحديد والقطر ، ولا محالة هو في مضيق هو الرابط بين ناحيتَين من نواحي الأرض المسكونة .

2 . ذكرى ذي‏القَرنَين عليه السلام والسدّ ويأجوج ومأجوج :

في أخبار الماضين لم يذكر القدماء

1.الكهف : ۸۶ .

2.الكهف : ۹۸ .

3.الكهف : ۸۷ و ۸۸ .

4.الكهف : ۸۴ .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
368

۱۹۶۹۰.الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : مَلَكَ الأرضَ كُلَّها أربَعةٌ : مُؤمِنانِ وكافِرانِ : فأمّا المُؤمِنانِ فسُلَيمانُ ابنُ داودَ عليهما السلام وذو القَرنَينِ ، والكافِرانِ نَمرودُ وبُختُ نَصَّرُ. واسمُ ذي‏القَرنَينِ عبدُ اللَّهِ بنُ ضَحّاكِ بنِ مَعدٍ .۱

كلام حول قصّة ذي القَرنَين عليه السلام :

وهو بحث قرآنيّ وتاريخيّ في فصول :

1 . قصّة ذي القرنين عليه السلام في القرآن :

«لم يتعرّض لاسمه ولا لتاريخ زمان ولادته وحياته ولا لنسبه وسائر مشخّصاته على‏ ما هو دأبه في ذكر قصص الماضين ، بل اكتفى‏ على‏ ذكر ثلاث رحلات منه : فرحلة اُولى‏ إلَى المغرب : حتّى‏ إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة (أو حامية) ووجد عندها قوماً . ورحلة ثانية إلَى المشرق : حتّى‏ إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على‏ قوم لم يجعل اللَّه لهم من دونها ستراً . ورحلة ثالثة : حتّى إذا بلغ بين السدّين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً ، فشكوا إليه إفساد يأجوج ومأجوج في الأرض ، وعرضوا عليه أن يجعلوا له خرجاً على‏ أن يجعل بين القوم وبين يأجوج ومأجوج سدّاً ، فأجابهم إلى‏ بناء السدّ ووعدهم أن يبني لهم فوق ما يأملون ، وأبى‏ أن يقبل خرجهم وإنّما طلب منهم أن يعينوه بقوّة ، وقد اُشير منها في القصّة إلَى الرجال وزبر الحديد والمنافخ والقطر .
والخصوصيّات والجهات الجوهريّة التي تستفاد من القصّة هي أوّلاً : أنّ صاحب القصَّة كان يسمّى‏ قبل نزول قصّته في القرآن - بل حتّى‏ في زمان حياته - بذي القَرنَين، كما يظهر في سياق القصّة من قوله : (يَسألونَكَ عن ذِي القَرْنَينِ)(قُلْنا يا ذا القَرنَينِ)۲(وقالُوا يا ذا القَرنَينِ) .۳

1.الخصال : ۲۵۵/۱۳۰ .

2.الكهف : ۸۶ .

3.الكهف : ۹۴ .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 191551
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي