381
ميزان الحکمه المجلد الثامن

فالآن لينظر فرعون رجلاً بصيراً وحكيماً ويجعله على‏ أرض مصر يفعل فرعون فيوكّل نظّاراً علَى الأرض ، ويأخذ خُمس غِلّة أرض مصر في سبع سني الشبع ، فيجمعون جميع طعام هذه السنين الجيّدة القادمة ، ويخزنون قمحاً تحت يد فرعون طعاماً في المدن ويحفظونه، فيكون الطعام ذخيرة للأرض لسبع سني الجوع التي تكون في أرض مصر ، فلا تنقرض الأرض بالجوع .
قالت التوراة ما ملخّصه : إنّ فرعون استحسن كلام يوسف وتعبيره وأكرمه وأعطاه إمارة المملكة في جميع شؤونها ، وخلع عليه بخاتمه ، وألبسه ثياب بوص ، ووضع طوق ذهب في عنقه ، وأركبه في مركبته الخاصّة ونودي أمامه : أن اركعوا ، وأخذ يوسف يدبّر الاُمور في سني الخصب ثمّ في سني الجدب أحسن إدارة .
ثمّ قالت التوراة۱ ما ملخّصه : إنّه لمّا عمّت السنة أرض كنعان أمر يعقوب بنيه أن يهبطوا إلى‏ مصر فيأخذوا طعاماً ، فساروا ودخلوا على‏ يوسف فعرفهم وتنكّر لهم وكلّمهم بجفاء وسألهم : من أين جئتم ؟ قالوا : من أرض كنعان لنشتري طعاماً . قال يوسف: بل جواسيس أنتم جئتم إلى أرضنا لتفسدوها ! قالوا : نحن جميعاً أبناء رجل واحد في كنعان كنّا اثنَي عشر أخاً فُقد منّا واحد وبقي أصغرنا هاهو اليوم عند أبينا ، والباقون بحضرتك ، ونحن جميعاً اُمَنا لانعرف الفساد والشرّ .
قال يوسف : لا وحياة فرعون نحن نراكم جواسيس ، ولانخلّي سبيلكم حتّى‏ تحضرونا أخاكم الصغير حتّى‏ نصدّقكم فيما تدّعون ، فأمر بهم فحُبِسوا ثلاثة أيّام ، ثمّ أحضرهم وأخذ من بينهم شمعون وقيّده أمام عيونهم ، وأذن لهم أن يرجعوا إلى‏ كنعان ويجيؤوا بأخيهم الصغير .
ثمّ أمر أن يملأ أوعيتهم قمحاً وتردّ

1.الإصحاح ۴۲ و ۴۳ من سفر التكوين . (كما في هامش المصدر) .


ميزان الحکمه المجلد الثامن
380

والآخر أنّ الطير تأكل من طعام حمله على‏ رأسه ، فاستفتَيا يوسف فعبّر رؤيا الأوّل برجوعه إلى‏ سقي فرعون شغله السابق ، والثاني بصلبه وأكل الطير من لحمه ، وسأل الساقي أن يذكره عند فرعون لعلّه يخرج من السجن ، لكنّ الشيطان أنساه ذلك .
ثمّ بعد سنتين رأى‏ فرعون في منامه سبع بقرات سِمان حسنة المنظر خرجت من نهر ، وسبع بقرات مهزولة قبيحة المنظر وقفت علَى الشاطئ، فأكلت المَهازيل السِّمان ، فاستيقظ فرعون . ثمّ نام فرأى‏ سبع سنابل خضر حسنة سمينة ، وسبع سنابل رقيقة ملفوحة بالريح الشرقيّة نابتة وراءها ، فأكلت الرقيقةُ السمينةَ ، فهال فرعونَ ذلك وجمع سحرة مصر وحكماءها وقصّ عليهم رؤياه ، فعجزوا عن تعبيره .
وعند ذلك ادّكر رئيسُ السقاة يوسفَ ، فذكره لفرعون ، وذكر ماشاهده من عجيب تعبيره للمنام، فأمر فرعون بإحضاره ، فلمّا اُدخل عليه كلّمه واستفتاه فيما رآه في منامه مرّة بعد اُخرى، فقال يوسف لفرعون : حلم فرعون واحد قد أخبر اللَّه فرعون بما هو صانع : البقرات السبع الحسنة في سبع سنين وسنابل سبع الحسنة في سبع سنين هو حلم واحد ، والبقرات السبع الرقيقة القبيحة التي طلعت وراءها هي سبع سنين والسنابل السبع الفارغة الملفوحة بالريح الشرقيّة يكون سبع سنين جوعاً .
هو الأمر الذي كلّمت به فرعون قد أظهر اللَّه لفرعون ما هو صانع ، هو ذا سبع سنين قادمة شبعاً عظيماً في كلّ أرض مصر ، ثمّ تقوم بعدها سبع سنين جوعاً ، فينسى‏ كلّ السبع في أرض مصر ويتلف الجوع الأرض ، ولايعرف السبع في الأرض من أجل ذلك الجوع بعده ؛ لأ نّه يكون شديداً جدّاً . وأمّا عن تكرار الحلم على‏ فرعون مرّتين فلأنّ الأمر مقرّر من عند اللَّه، واللَّه مسرع لصنعه .

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182763
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي