383
ميزان الحکمه المجلد الثامن

ذلك ، هو ذا الفضّة التي وجدناها في أفواه عدالنا جئنا بها إليكم من كنعان ، فكيف نسرق من بيت سيّدك فضّة أو ذهباً ؟! من وجد الطاس في رحله يقتل ونحن جميعاً عبيد سيّدك ، فرضي بما ذكروا له من الجزاء فبادروا إلى‏ عدولهم ، وأنزل كلّ واحد منهم عدله وفتحه ، فأخذ يفتّشها وابتدأ من الكبير حتَّى انتهى‏ إلى الصغير وأخرج الطاس من عدله .
فلمّا رأى ذلك إخوته مزّقوا ثيابهم ورجعوا إلَى المدينة ودخلوا على‏ يوسف وأعادوا عليه قولهم معتذرين معترفين بالذنب وعليهم سيماء الصَّغار والهوان والخجل ، فقال : حاشا أن نأخذ إلّا من وُجِد متاعنا عنده ، وأمّا أنتم فارجعوا بسلام إلى‏ أبيكم.
فتقدّم إليه يهوذا وتضرّع إليه واسترحمه وذكر له قصّتهم مع أبيهم حين أمرهم يوسف بإحضار بنيامين ، فسألوا أباهم ذلك فأبى‏ أشدّ الإباء حتّى‏ آتاه يهوذا الميثاق على‏ أن يردّ بنيامين إليه ، وذكر أ نّهم لايستطيعون أن يلاقوا أباهم وليس معهم بنيامين ، وأنّ أباهم الشيخ لو سمع منهم ذلك لمات من وقته . ثمّ سأله أن يأخذه مكان بنيامين عبداً لنفسه ويطلق بنيامين ، لتقرّ بذلك عين أبيهم المستأنس به بعد فقد أخيه من اُمّه يوسف .
قالت التوراة : فلم يستطع يوسف أن يضبط نفسه لدى جميع الواقفين عنده ، فصرخ : أخرجوا كلّ إنسان عنّي ! فلم يقف أحد عنده حين عرّف يوسف إخوته بنفسه ، فأطلق صوته بالبكاء ، فسمع المصريّون وسمع بيت فرعون ، وقال يوسف لإخوته : أنا يوسف أحيٌّ أبي بعد ؟ فلمّا يستطع إخوته أن يجيبوه لأنّهم ارتاعوا منه .
وقال يوسف لإخوته : تقدّموا إليّ ، فتقدّموا فقال : أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه إلى‏ مصر ، والآن لا تتأسّفوا ولا تغتاظوا لأ نّكم بعتموني إلى‏ هنا ؛ لأ نّه لاستبقاء حياة أرسلني اللَّه قدّامكم ؛


ميزان الحکمه المجلد الثامن
382

فضّة كلّ واحد منهم إلى‏ عِدله ففعل . فرجعوا إلى‏ أبيهم وقصّوا عليه القصص ، فأبى‏ يعقوب أن يرسل بنيامين معهم وقال : أعدمتموني الأولاد : يوسف مفقود وشمعون مفقود وبنيامين تريدون أن تأخذوه ؟ ! لايكون ذلك أبداً ! وقال : قد أسأتم في قولكم للرجل : إنّ لكم أخاً تركتموه عندي ، قالوا : إنّه سأل عنّا وعن عشيرتنا قائلاً : هل أبوكم حيّ بعد ؟ وهل لكم أخ آخر ؟ فأخبرناه كما سألَنا ، وما كنّا نعلم أ نّه سيقول : جيؤوا إليّ بأخيكم .
فلم يزل يعقوب يمتنع حتّى‏ أعطاه يهوذا الموثّق أن يردّ إليه بنيامين ، فأذن في ذهابهم به معهم ، وأمرهم أن يأخذوا من أحسن متاع الأرض هديّة إلى الرجل ، وأن يأخذوا معهم أصرّة الفضّة التي رُدّت إليهم في أوعيتهم ، ففعلوا .
ولمّا وردوا مصر لقوا وكيل يوسف على‏ اُموره، وأخبروه بحاجتهم وأنّ بضاعتهم رُدَّت إليهم في رحالهم وعرضوا له هديّتهم ، فرحّب بهم وأكرمهم وأخبرهم أنّ فضّتهم لهم ، وأخرج إليهم شمعون الرهين ، ثمّ أدخلهم على‏ يوسف ، فسجدوا له، وقدّموا إليه هديّتهم ، فرحّب بهم واستفسرهم عن حالهم وعن سلامة أبيهم ، وعرضوا عليه أخاهم الصغير فأكرمه ودعا له . ثمّ أمر بتقديم الطعام فقدّم له وحده ، ولهم وحدهم ، ولمن عنده من المصريّين وحدهم .
ثمّ أمر وكيله أن يملأ أوعيتهم طعاماً وأن يدسّ فيها هديّتهم وأن يضع طاسة في عدل أخيهم الصغير ففعل ، فلمّا أضاء الصبح من غدٍ شدُّوا الرحال علَى الحمير وانصرفوا .
فلمّا خرجوا من المدينة ولمّا يبتعدوا قال لوكيله : أدركِ القوم وقل لهم : بئس ما صنعتم! جازيتم الإحسان بالإساءة سرقتم طاس سيّدي الذي يشرب فيه ويتفأّل به! فتبهّتوا من استماع هذا القول ، وقالوا : حاشانا من

  • نام منبع :
    ميزان الحکمه المجلد الثامن
    المجلدات :
    10
    الناشر :
    دارالحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1433
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 182631
الصفحه من 629
طباعه  ارسل الي